د. ليلى نقولا الرحباني
حيّدت الحرب التي تشنّها
اسرائيل على قطاع غزّة، الانظار عما يحصل في سوريا والعراق؛ علمًا أن التطورات
العراقية كانت في وقت سابق قد جعلت من الأخبار السورية في مرتبة ثانية من الأهمية.
وهكذا، نجد أنه في الوقت الذي يتقدم فيه الجيش السوري على محاور عدّة في حلب، تعمّ
الشاشات صور المجازر في غزة، ويحاول العراقيون مقاومة ما يدبّر لهم من مؤامرات
تفتيتية تنعشها الغرائز المذهبية، بينما يحاول اللبنانيون تحييد النار الاقليمية
عن الثوب اللبناني القابل في أي لحظة للاشتعال.
وفي ظل هذا المشهد المهيب من الدمار والاقتتال
المذهبي، يتبارز العرب في تحليل ظاهرة "داعش" وسيطرتها على المحافظات
السنية في العراق، وتقدمها في سوريا، ومحاولتها السيطرة على حقول النفط في كل من
البلدين، فمنهم من يختار التحليل التبسيطي للأمور، فيعتبر ان الفراغ الأمني وإطالة
أمد الحرب في سوريا أدّت الى ظهور داعش ومثيلاتها، والبعض الآخر يعتبر ان الولايات
المتحدة الأميركية - بالتعاون مع حلفائها السنّة من الدول الاقليمية- أرادت أن
تقطع الهلال الشيعي الذي تحاول ايران أن تقيمه، والممتد من ايران حتى لبنان مرورًا
بالعراق وسوريا، ومنهم من يعتبر ان داعش صنيعة الاتراك، وهلم جرًّا.
وبغض النظر عن النظريات المختلفة لتأسيس داعش
وظهورها، والمشهد المشرقي الذي يطغى على شاشات العالم واعلامه ويزيح الانظار عما
يحصل في أماكن أخرى من العالم، لا بد لنا من مراقبة ما يجري في افغانستان باهتمام
شديد، يوحي بترابط ما بين الساحتين العراقية والأفغانية كما يلي:
يتشابه البلدان في أنهما تعرضّا للاحتلال في خضّم
الحرب الأميركية على الارهاب، وانهما يتصدران قائمة الدول الفاشلة منذ ذلك
التاريخ، علمًا أن الاثنين يعانيان من الارهاب والانقسامات والأزمات السياسية،
بينما تدور السلطة السياسية فيهما في الفلك الايراني - الأميركي المشترك. كما
يتشابه جيشا البلدين، بأنهما نتيجة سنوات من التدريب والاستثمار الأميركي، وكان
يؤمل منهما أن يستلما الوضع الأمني بعد الانسحاب الأميركي.
واليوم، وفي ظل انتظار الاميركيين نتائج الانتخابات
الرئاسية الأفغانية، لتوقيع معاهدة أمنية - شبيهة بالاتفاقية الأمنية الموقعة مع
العراق- تمهّد لانسحاب قوات حلف الناتو من البلاد، تعيش أفغانستان أزمة سياسية
خطيرة جدًا، بسبب ما يقال انه تزوير في نتائج الانتخابات الرئاسية الأفغانية بين
عبد الله عبدلله وأشرف غاني، قد تؤدي الى تقسيم البلاد أو دخولها في حرب أهلية.
ويلاحظ أن نفس الكأس المرّة التي يتجرعها العراقيون
بعد غزوة داعش، تعيشها أفغانستان اليوم، فالخوف من اقتتال مذهبي عراقي أو تقسيم
العراق على أساس مذهبي يقابله قلق جدّي من اقتتال قبائلي بين الطاجيك والبشتون في
أفغانستان، أو تقسيمها بحسب الانتماءات والاغلبيات التي تسيطر على المناطق، ما
يصعّب المهمة على الجيش الأميركي وقوات حلف الناتو، فإما الانسحاب في نهاية السنة
الحالية كما هو مخطط وترك البلاد غارقة في فوضى خطيرة قد تفجّر المنطقة، أو البقاء
لما بعد الوقت المحدد، والغرق في مستنقع صراع قبائلي وارهاب متفلت.
ويبقى السؤال المشروع هنا: هل هي مصادفة أن تعيش
أفغانستان والعراق نفس الأخطار التي تتجلى بين خيارين خطيرين: حرب وتطاحن بين
مكونات الشعب أو التقسيم؟.
وفي الإجابة على السؤال، يمكن القول أنه لا شيء صدفة
في العلاقات الدولية، لذا يمكن التكهن بأن السياسات الاقليمية والدولية في المنطقة
هي التي رتبّت هذه المصادفة. وبما أن الأميركيين يتلهفون للخروج من أفغانستان
وتوقيع الاتفاقيات معها، وبما أنهم يتعاملون مع الأزمة الأفغانية بقلق جدّي مختلف
عن سياسة "التمييع" التي استخدموها في مواجهة ما استجد في العراق من
أخطار، وهو ما دفع كيري للقدوم الى افغانستان على عجل... كل هذا يوحي بأن الطرف أو
الأطراف المتضررة مما يحصل في العراق والتمييع الاميركي في الردّ، قد ردّت بقوة في
أفغانستان، ضمن معادلة: افغانستان مقابل العراق- تقسيم العراق يقابله تقسيم
أفغانستان، حرب مذهبية في العراق يقابلها حرب قبائلية في أفغانستان.... ولكن، من
هي الجهة أو الدولة الاقليمية التي تملك من المقومات بأن تقلق الاميركيين في
أفغانستان، وتفرض هذه المعادلة؟ إنها ايران طبعًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق