د. ليلى نقولا الرحباني
يلفّ الضباب مصير الحكومة اللبنانية وفعاليتها، بعدما قرر الرئيس تمام سلام عدم الدعوة إلى اجتماع ما لم يتمّ التوافق على ملف الجامعة اللبنانية، علماً أن ما حصل في ملف الجامعة من تعطيل قام به وزراء حزبي "الاشتراكي" و"الكتائب" يشي بأن كل منهما يحاول الاستفادة مما يمكن الاستفادة منه من مكاسب سياسية، على حساب العمل الحكومي، وعلى حساب مصالح البلد الذي يعيش أسوأ أزماته الاقتصادية والاجتماعية منذ الحرب الأهلية ولغاية اليوم، وعلى حساب الجامعة اللبنانية التي تعاني من محاولات لإقفالها، أو تحويلها إلى مؤسسة غير منتجة وغير موثوق بنتائجها؛ تماماً كما حصل سابقاً مع التعليم الرسمي الأساسي.
يبدو من خلال السياسات الحكومية المتعاقبة منذ ما بعد الطائف، أن هناك مؤامرة حقيقية على الجامعة الوطنية، تعيدنا بالذكرى إلى ما كان يحصل مع مؤسسة الجيش اللبناني من محاولات سيطرة وتغيير العقيدة، واقتطاع موازناته، وهو ما ظهر جلياً خلال سنوات عجاف مرّت على الجامعة الوطنية منذ عام 1997، حيث اقتنص السياسيون منها استقلاليتها، وسيطروا عليها، في محاولة واضحة لتحجيمها وإفشالها لصالح التعليم العالي الخاص، حيث تنتشر الجامعات - الدكاكين على أطراف الجامعة اللبنانية كالفطريات، بدون حسيب أو رقيب.
وإن كان حزبا "الكتائب" و"الاشتراكي" قد برزا مؤخراً كمعطّلين لملف الجامعة، فالتعطيل كان قد مورس في وقت سابق من جهات عدّة؛ منذ أن عُرض الملف خلال حكومة الميقاتي ولغاية اليوم، وبالرغم من تباين أسباب الجهات السياسية للعرقلة، إلا أن التعطيل واحد وقد يكون مرده أسباب عدّة منها:
- تريد بعض الأحزاب السياسية أن تستغل الواقع الحكومي والفراغ الرئاسي لتفرض واقعاً سياسياً لها أكبر من حجمها، في محاولة لإظهار قوة مضخَّمة كانت تتمتع بها وانقرضت لصالح أحزاب جديدة.
- لطالما احتوت الحكومات المتعاقبة رجال أعمال دخلوا عالم السياسة من بوابة رأس المال، وهؤلاء يتعاطون مع الوطن وقضاياه بمنطق "الشركة"، فيحتسبون كل قرار بمنطق الربح والخسارة المادييْن، ومن هنا فإنهم يعتبرون الاستثمار الوطني الرسمي في العقول غير مُجْدٍ أو مكلف ومسبِّب للخسارة، والخسارة هنا صنفان: الخسارة المادية، باعتبار أن التعليم الرسمي للفقراء غير مربح، بينما تنتفخ جيوب المتمولين من السياسيين وغير السياسيين الذين افتتحوا جامعاتهم الخاصة، والأهم الخسارة السياسية؛ باعتبار أن تعليم الفقراء يجعلهم متعلمين وغير محتاجين إلى السياسي من أجل لقمة العيش، فيخسر السياسي هنا أفواهاً جائعة تحتاج إليه للعمل والتوظيف والمساعدات، فيتعذّر عليه جعلها زبائن له في الانتخابات والتحشيد المذهبي والطائفي، والاقتتال الغرائزي.
- قد يكون المستهدف من التعطيل أيضاً التيار الوطني الحر بالتحديد، فالكلام المتداوَل منذ تعطيل الملف خلال حكومة الميقاتي، يقول إن التعطيل يأتي لأن التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون قد تبنّيا قضية الجامعة الوطنية، واعتبراها من أركان السياسة الإصلاحية التي يطمح من خلالها لبناء دولة، يضاف إلى ذلك تبنّي وزير التربية الياس بو صعب لملف الجامعة اللبنانية تبنٍّ كامل، مما يشير إلى أن بعض العُقد المستجدّة كانت في وجهه وليست في وجه الجامعة وأساتذتها بالتحديد.
في النهاية، وضع القطاع التربوي في لبنان بات مُبكياً، والمبكي الأكثر أن سورية - الدولة الجارة - التي تعيش حرباً كونية على أرضها، والتي تشهد خراباً ودماراً غير مسبوقيْن في تاريخها منذ أربع سنوات، كانت قد أعلنت هذا الأسبوع عن نتائج امتحانات الثانوية العامّة، ويتحضّر الطلاب السوريون للدخول إلى الجامعات، مطمئنين على مستقبلهم العلمي، ولو كانوا غير مطمئنين على مستقبل بلادهم الأمني والسياسي، بينما ينتظر طلاب لبنان نتائج امتحاناتهم على وقع أخبار سلسلة الرتب والرواتب والعُقَد السياسية المفتعَلة التي تتلهى بمصيرهم ومستقبلهم، والتي لا يبدو أن لها حلاً في الأفق المنظور، ما يهدد مستقبل آلاف الطلاب اللبنانيين الذين يتحضرون للدخول إلى الجامعات في لبنان وخارجه، ويهدّد مستقبل عشرات الآلاف من طلاب الجامعة اللبنانية المهدَّدة بالإقفال وتأخير العام الدراسي، فيما لو يعي المسؤولون السياسيون أن الاستثمار المُجدي والأفعل هو الاستثمار في العقول، فلا خلاص للبنان من كبواته الاقتصادية والامنية والطائفية إلا بالتعليم، الذي يؤدي إلى خفض معدل الجريمة، ويُنعش الاقتصاد الوطني، ويخفف من غلواء التعصب المذهبي، وإمكانية استغلال الشباب في اقتتال محاور عبثي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق