د. ليلى نقولا الرحباني
شهد النصف الثاني من القرن العشرين عربيًا، بروز نجم الجيوش العربية وتصدّر الحكم في كل من دول المشرق العربي قادة في الجيوش أدّوا أدوارًا هامّة في فرض الاستقرار في الدول الخارجة للتوّ من الاستعمار الأجنبي، وساهموا في خلق حاجز صدّ عسكري أمام تمدد الاسلام السياسي في المجتمعات العربية، فمن جمال عبد الناصر الى أنور السادات وحسني مبارك، وحافظ الأسد ومعمر القذافي وغيرهم. والغريب أن الأمر لم يكن مرتبطًا فقط بالدول العربية، بل بالدولة التركية أيضًا، التي حافظ الجيش فيها على العلمانية بالقوة، وحفظ الاستقرار، الى أن سيطر الاسلاميون على الحكم، فقاموا بزعامة أردوغان بتحجيم دور الجيش والسيطرة عليه، والانقلاب على قياداته والزجّ بهم في السجون.
وفي هجمة مرتدّة - مماثلة للانقلاب التركي على الجيش- من قبل قوى الاسلام السياسي في العالم العربي، حصلت على أثر موجات ما سمي الربيع العربي، يُلاحظ أن الاسلاميون في العالم العربي صوّبوا بشكل رئيسي ومباشر على الجيوش العربية التي اعتبروا أن لهم ثأر قديم معها وحاجة لتفتييتها ليتسنى لهم الحكم، وأدّوا بذلك خدمة كبرى للمشروع الاسرائيلي في المنطقة. فنلاحظ أن الأميركيين - في وقت مبكر وقبل الربيع- قاموا بحلّ الجيش العراقي، الذي كان يُعتبر من أقوى الجيوش العربية وأكثرها تهديدًا لاسرائيل، ثم صوّب الإخوان المسلمين في مصر نارهم الى الجيش المصري، وأغرق الجيش السوري بحرب داخلية وارهاب يتنقل بين مناطق سوريا كافة، ويتعرض الجيش اللبناني بشكل يومي الى عمليات ارهابية ومكائد سياسية، تحاول فرطه أو هزمه أمام الارهاب.
والآن، وبعد أن تبين ان الارهاب بات يهدد الدول العربية والغربية التي رعته ومولته، وبدأت العمليات الارهابية في اوروبا وكندا من قبل داعمي "الثوار" السوريين الذين تغنّى بهم الاوروبيون والغرب باعتبارهم "دعاة الحرية والديمقراطية" في العالم العربي، عاد الأميركيون للأقتناع بأنه لا حلّ لضبط الارهاب والحدّ من حركته الا بإعادة الاعتبار للجيوش لمحاربة الارهاب.
وانطلاقًا من هذا الاقتناع، أعطي الضوء الأخضر لكل من الجيش العراقي والسوري والمصري واللبناني لمكافحة الارهاب، فعقدت واشنطن إجتماعًا تنسيقيًا لقادة الجيوش المشاركة في التحالف الدولي ضد الارهاب، وهنا تطرح بعض التساؤلات نفسها:
- إذا كانت المرحلة القادمة هي عصر الجيوش بامتياز وهي التي ستحمي الدول من الانهيار والتفتت، فكيف يمكن أن تنجو تركيا من كل هذه التهديدات المنتشرة في المنطقة، في ظل استمرار حزب العدالة والتنمية بتحجيم الجيش التركي، وآخرها قرار الحكومة لربط قيادة قوات الدرك (الجندرمة) وقيادة سلاح خفر السواحل بوزارة الداخلية، ووضعها تحت سيطرة السلطة السياسية لحزب العدالة والتنمية؟.
- ما الذي يمنع من أن ينقلب الارهاب على مموليه ومشغليه وداعميه الاتراك، وتتعرض تركيا لمثل ما تعرضت له السعودية بعد اجتياح الاميركيين للعراق، حيث عانت السعودية من ارهاب وعمليات انتحارية امتدت من عام 2003 ولغاية 2009؟
- كيف يمكن لتركيا، أن تواجه الاخطار الداخلية المتأتية من وجود اللاجئين السوريين، وتمرد الأكراد، ووجود بيئات تركية داعمة لداعش، بالاضافة الى انفلات الامن في المناطق الحدودية مع سوريا، بسبب قرار الحكومة التركية التسهيل للمقاتلين والسلاح بالتحشد فيها للمرور الى سوريا لقتال الجيش السوري؟
كل هذه الاسئلة، تدفع الى القول بأن عصر الجيوش القادم لمحاربة الارهاب، سيبقي تركيا خارجه، ولا شكّ أن إضعاف الدولة التركية باضعاف جيشها لن يكون بدون ثمن سياسي وأمني قد يعيد رسم خريطة تركيا الجغرافية التي حافظ عليها أتاتورك في بداية القرن العشرين، فهل ينقلب السحر على الساحر التركي؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق