د. ليلى نقولا
في خطوة يُشهد لها بالجرأة والإقدام، أقدم رئيس حزب القوات اللبنانية على ترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وهي خطوة لها من الدلالات والأهمية السياسية والاجتماعية أكثر مما لها في موازين الأصوات الانتخابية في صندوق الاقتراع الرئاسي في مجلس النواب.
ولعل الجميع يدرك أن عدد أصوات القوات النيابية غير كافية لايصال العماد عون الى الرئاسة، ولكن خطوة الترشيح بحد ذاتها ذات مؤشر هام، وتوحي بانقلاب في الساحة السياسية اللبنانية، يختلف المراقبين في تفسيرها، فيطرحونها على الشكل التالي:
الطرح الاول، أتى بسرعة من قبل بعض الاعلاميين وخاصة المحسوبين على بعض قوى 8 آذار والرئيس برّي الذين يميلون لصالح رئيس تيار المردة، وهم حاولوا إحراج العماد عون وتياره بالقول أن رئيس القوات كرّس نفسه صانع الرؤساء، واستفاضوا في "تكبير" الرجل لدرجة يخال معها القارئ أن سمير جعجع سيكون الرئيس الفعلي الذي سيملي على العماد عون كيف يحكم الجمهورية في ما لو وصل الى رئاسة الجمهورية!.
الطرح الثاني، وأتى معظمه من صقور 14 آذار، الذي لم يرَ في مصالحة الرجلين سوى حلف مسيحي طائفي، يكرّس صراعًا مسيحيًا اسلاميًا، ويريد أن يلغي المكونات الأخرى. والمثير للدهشة في هذا الطرح، أن جميع الأحزاب اللبنانية التي تقاتلت في وقت من الايام خلال الحرب الاهلية، عقدت تفاهمات ومصالحات ولم يعب عليها أحد هذا الأمر، كما أن التراشق الاعلامي والحرب الدائرة بين حزب الله وتيار المستقبل لم تمنع الاثنان من التلاقي وأحيانًا من عقد الاحلاف، ولم يستاء أحد من التفاهم ولم يُرجم تفاهمهما بحجر!.
الطرح الثالث، وهو طرح لا يجد الكثير من الفسحة الاعلامية الواسعة لان الاعلام اللبناني المسيّس فتح صفحاته لأصحاب الرأيين الاولين، وانشغل اعلام التيار الوطني الحر بمباركة الحدث. وهذا الطرح يجد في الخطوة اعترافًا من القوات اللبنانية بانهزام مشروعها، خاصة في ظل الانتصارات الميدانية التي يحققها الجيش السوري وحلفائه في الميدان السوري، وادراك القوات أن المرحلة المقبلة قادمة على الكثير من خلط الأوراق الاقليمية، خاصة بعد بدء تنفيذ الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن ايران، واحراج السعودية اقليميًا وميدانيًا وماديًا وهو إحراج مرشح الى التفاقم كلما اقترب مسار الحل السياسي في سوريا من الانطلاق.
أصحاب هذا الطرح يعتبرون أن جعجع قرأ التطورات جيدًا، وأن جنبلاط المعروف بقراءته الجيدة سيكون التالي بعد جعجع في الاعتراف بهزيمة المشروع الذي دخل فيه الرجلان وباتوا رأس الحربة فيه.
وينقسم أصحاب هذا الطرح في تفسير قبول العماد عون تعويم جعجع وحزبه، فيطرحون سببين ومنهم من يدمجهما معًا. منهم من يعتبر ان العماد عون معروف بهذه الشيم، إذ لطالما قام بتعويم العديد من خصومه السابقين بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، ومنهم من عاد وطعنه في ظهره، وفي نفس السياق القيمي والاخلاقي يقوم اليوم بتعويم القوات باعتبارها مكونًا من مكونات المجتمع اللبناني والمسيحي، ولا يجوز عزله أو تهميشه لأن ذلك يؤدي الى إضعاف المسيحيين، وإضعاف بنية المجتمع اللبناني ما يؤدي الى الاضطرابات.
أما الرأي الآخر، فيرى أن للعماد عون وتياره مصلحة في تعويم القوات تمهيدًا الى التحالف معها في الانتخابات، إذ لن يكون للمجتمع المسيحي قدرة على النهوض والتغيير والتطلع نحو المستقبل إلا بالتخلص من الطبقة الاقطاعية المتجذرة التي أمعنت في التحكم بمصيره، وحرمت الشباب المسيحي من خارج الاطار التقليدي والعائلات السياسية من الوصول الى أي موقع من مواقع السلطة السياسية. وعليه، فإن الحزبين المسيحيين اللذان لم يخرجا من رحم العائلات الاقطاعية التقليدية، في حال تحالفا في الانتخابات النيابية، سيقدران على تأسيس حالة جديدة تسمح للكفاءات والشباب الجامعي المنضوي تحت رايتهما في الوصول وخلق دينامية جديدة في المجتمع اللبناني.
وفي المحصلة، وبغض النظر عن المسببات التي أملت هذا التحوّل القواتي، وبغض النظر عن نتائج هذا الترشيح على وصول العماد الى سدة الرئاسة، يبقى رأيي أن الخطوة التصالحية التي حصلت، إن تمّ استثمارها والبناء عليها ولم تبق في اطار الاعلان والذكرى، ستؤدي الى تقوية المسيحيين في الشراكة الوطنية، وستخفف من منسوب الحقد المتجذر في المجتمع المسيحي منذ التسعينات، وستكون بشارة أمل للمجتمع اللبناني لأن قوة المسيحيين تؤدي الى تقوية المجتمع برمتّه، ولمسيحيي المشرق بأن عهد التقاتل المسيحي الذي يؤدي الى استفرادهم فتهميشهم وهجرتهم قد ولّى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق