د. ليلى نقولا
جاء الإعلان عن الاتفاق الروسي - الأميركي حول "وقف العمليات العدائية" في سورية بدءاً من 27 شباط الجاري، بمنزلة عامل تبريد لا يؤدي إلى إطفاء النار السورية بالكامل، بل يخفف من وهجها وقوتها، بحيث لا يؤدي إلى إشعال حرب عالمية لم تكن تحتاج إلا إلى لحظة جنون تركية أو سعودية لتشعل ناراً ستُلهب الشرق الأوسط وأوروبا معاً.
يوماً بعد يوم تتكشّف حقائق مخيفة حول قدرة الأطراف الداعمة للمجموعات المسلحة في سورية على الجنون، في ظل اشتباك إقليمي كبير قد يؤدي بخطأ ما إلى حرب عالمية كبرى ستجذب إليها كلاً من الأميركيين وحلف شمال الأطلسي، وحتى لو لم يكونوا راغبين فيها بالفعل. وبالرغم من أن التصوُّر المنطقي يقول إنه لا قدرة للأطراف الإقليميين على التصرف بدون ضوء أخضر أميركي، لكن ميادين الحروب عادة ما تكون مليئة بالمفاجآت، وقد يكون الغرور ووهم فائض القوة المدفوعَين بالخوف من الهزيمة، عاملاً تدميرياً يؤدي إلى خطوات جنونية لا يُعرف مدى حجمها ومستواها.
وفي تحليل سلوك اللاعبين الإقليميين في سورية، يمكن القول إنه باستثناء الأردن الذي يتهيّب تسعير الجبهة السورية، ويخشى انهيار حكمه فيما لو سقط الحكم في دمشق وسيطر "الإسلاميون" على السلطة، فإن سلوك القيادتين السعودية والتركية يعطي انطباعاً بأن الطرفين مستعدان للمقامرة بمصير شعوب وبلدان أخرى، ولا يضيرهم أن يقامروا بمصير بلدانهم أيضاً، لاتقاء هزيمة عسكرية باتت تلوح في الأفق في سورية.
ومن سلوكيات الجنون القاتلة تلك، رغبة أردوغان الحقيقية واستعداده لتدخّل برّي في سورية لاستنقاذ مسلحيه، لولا القرار الأميركي والأوروبي الحازم والمحذّر من الخطوة، والرسالة التي صدرت عن حلف "الناتو" الواضحة والصريحة بأنهم سيتركونه لمصيره فيما لو قام بالفعل بالتدخل برّياً في سورية.
أما بالنسبة للسعودية، وبالرغم من أن الحديث عن تدخل برّي سعودي في سورية انطلاقاً من تركيا بدا أنه مجرد مادة للاستهلاك الإعلامي والسياسي، لكن التقارير التي تحدثت عن الأسباب الحقيقية للتصعيد السعودي في لبنان، تشير إلى رغبة سعودية لم يتم تلبيتها بفتح جبهة لبنان مجدداً للانقضاض إلى الداخل السوري من خلال مقاتلين سوريين ولبنانيين موجودين في الشمال اللبناني، هي الجنون بعينه، وقد تكون هذه الهجمة السعودية لتوتير الأجواء في لبنان، والإعلان عن إلغاء الهبة للجيش اللبناني، واستقالة الوزير أشرف ريفي وإشكال السعديات، وابتزاز اللبنانيين بلقمة عيشهم، مردّها - كما تقول التقارير - إلى أن السعودية تقدّمت بطلبات أمنية وعسكرية "تعجيزية" من لبنان، تمّ رفضها، ومن هذه الطلبات: فتح جبهة على الحدود بين لبنان وسورية، وتحديداً عبر وادي خالد، للانقضاض على الداخل السوري، واستخدام مطار القليعات العسكري في تدخّل عسكري في سورية، وأن بعض المنظمات غير الحكومية العاملة في الشمال قامت بإحصاء السوريين القادرين على القتال لهذا الغرض. أما بالنسبة للجيش اللبناني فقد طلبت السعودية ضمانات من الجيش بأن لا يستخدم أسلحة الهبة فقط ضد الإرهابيين في عرسال، بل أن يقوم باستخدامها ضد حزب الله أيضاً.
إن صحّت هذه التقارير، يمكن القول إن الجنون قد بلغ مستواه الأخطر لدى السعوديين، فهم يدركون أكثر من سواهم أنه لا طاقة ولا قدرة للبنان على تلبية هذه الطلبات، وأن تلبيتها يُعدّ بمنزلة انتحار محتَّم، علماً أن فتح جبهة لبنان خيار تمّت تجربته في السابق خلال السنوات الأولى من الحرب السورية، وسقط.
في المحصلة، تبدو تصريحات الرؤوس الحامية التي تعيب على الولايات المتحدة عدم تدخّلها العسكري في سورية، والتي تصرخ مدّعية أن الأميركيين خذلوهم ولم يدعموا المعارضة السورية بما يكفي، وأن السعودية وتركيا تنتظران تغيير الإدارة الأميركية لتحقيق انتصار في سورية، يبدو جنوناً أكثر من محاولات إشعال حرب عالمية، إذ لا يبدو أن أياً من المرشحين للرئاسة الأميركية مستعداً لإرسال جنوده إلى الشرق الأوسط لتلبية طموحات السلطان التركي، ولا الملك السعودي.. في كل الأحوال، وحتى ذلك الحين، إن بقي للجنون قدرة في سورية، يمكن معالجتها في حينه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق