2016/08/11

الاستنزاف" في حلب: ماذا يريد الأميركيون؟

"د. ليلى نقولا
تشهد معارك حلب مزيدًا من الكرّ والفرّ، وحشد الجهود والقوى لمعركة أطلق عليها الرئيس السوري بشار الأسد عليها يومًا توصيف "ستالينغراد سوريا"، أي أن هذه المعركة - برأيه- ستكون مقبرة المجموعات المسلحة، كما كانت ستالينغراد مقبرة قوات هتلر الغازية للأراضي الروسية.
يملك الروس وحلفاؤهم في معركة حلب أرجحية ميدانية، بدليل تكرار الهجوم والغزوات والانتحار على أبواب حلب، وسقوط المئات من القتلى الارهابيين من جنسيات متعددة. بينما تتكل الولايات المتحدة الأميركية على المجموعات المرتبطة بحلفائها الاتراك والسعوديين والقطريين لخوض معركة مفصلية ستؤدي خسارتها الى خسارة العديد من الأهداف المرتبطة بالحرب السورية.
وتبدو الأهداف الأميركية في الحرب السورية متعددة ومترابطة ومتناقضة في آن، وذلك على الشكل التالي:
أولاً: هدف منع الروس أو أي جهة دولية أخرى من كسب النفوذ في الشرق الأوسط، وتقاسمه مع الولايات المتحدة: وهذا الهدف إنما هو هدف ثابت في السياسة الخارجية الأميركية ويعني منع أي قوة دولية من الهيمنة أو إزاحة نفوذ الولايات المتحدة في العالم.
ثانيًا: المحافظة على توازن القوى بين الدول الاقليمية الموجودة في المنطقة ومنع ايران من تحقيق تفوق كاسر للتوازن مقابل حلفاء أميركا الاقليميين أي تركيا والسعودية.
ثالثًا: القدرة على تصميم مستقبل سوريا السياسي والاقتصادي كما تريده الولايات المتحدة، وعدم العودة الى حالة ما قبل عام 2011.
رابعًا: منع تحقيق التوازن في الصراع العربي الاسرائيلي ، ومنع حزب الله من زيادة قوته بشكل يخرق التفوق العسكري الاسرائيلي.
خامسًا: مكافحة ارهاب داعش وباقي المجموعات الارهابية حسب التصنيف الأميركي.
وتبدو هذه الاهداف الأميركية في سوريا مترابطة ولكنها متناقضة في آن:
- قتال الارهابيين بشكل جدي ومكافحتهم والقضاء عليهم، سيكون لصالح كل من الروس والايرانيين والجيش السوري وحلفاؤه ما يعني تحقيق الهدف الخامس على حساب الاهداف الأربعة الاولى التي ستكون بخطر.
- التخلي عن مكافحة الارهاب للتفرغ لإسقاط النظام السوري بالقوة وتحقيق الهدف الثالث، دونه عقبات كبرى تتجلى في الخسائر البشرية والمادية، وتفشي الارهاب وحيازته أراضٍ شاسعة تحت أعين المقاتلات الاميركية كما حصل في العديد من المناطق العراقية والسورية من قبل، والانجرار الى صراع دولي كبير مع الروس عالي التكلفة والمخاطر.
- محاولة تحجيم ايران لمنعها من كسر التوازن بينها وبين الدول الاقليمية الاخرى الحليفة للولايات المتحدة، وإعطاء دور أكبر لكل من تركيا والسعودية، تبين خلال الحرب السورية أنه جعل الحلفاء يتمردون على الولايات المتحدة ويحاولون التفرد ببعض القرارات الاقليمية، مما جعل وزير الخارجية الأميركي يعد بالكثير من الوعود بدون القدرة على ايفائها.
- أما الهدف الاول وهو منع الروس من القدرة على المطالبة بتقاسم نفوذ جدي وحقيقي في الشرق الاوسط، فهو هدف بات من غير الواقعي محاولة الحفاظ عليه، فتحقيق أي من الاهداف (2-3-4-5) بات يحتاج تعاونًا روسيًا أميركيًا، اللهم إلا استطاع الأميركيون وحلفاؤهم هزيمة الروس هزيمة كبرى في سوريا وهذا أمر من المستبعد حصوله.
إن فهم هذه الأهداف وترابطها وتناقضها، تجعل الأميركيين يجنحون الى تفضيل استنزاف جميع القوى في سوريا، ومحاولة منع أي طرف من الانتصار، فلا هم سمحوا لحلفائهم بمد الارهابيين بما يريدون من صواريخ أرض - جو وغيرها من الاسلحة، ولا هم تدخلوا عسكريًا وجويًا للقضاء على الارهاب بشكل جدّي، لكنهم في المقابل استعملوا كل ما استطاعوا من وسائل لمنع الروس وحلفائهم من الانتصار الساحق والسريع، وهو ما حصل فعليًا بعد طلب الهدنة حيث استطاع الاميركيون وحلفاؤهم ترميم القدرة القتالية للمجموعات المسلحة السورية خلال الهدنة التي فرضوها على الروس، وهو ما سيجعلهم يضغطون على اردوغان لعدم التنازل للروس في الموضوع السوري.
في النتيجة، يدرك جميع الأطراف أن معركة حلب ستكون معركة مفصلية في تاريخ الحرب في سوريا، فإذا انتصرت المجموعات المسلحة وسيطرت على حلب - وهو أمر مستبعد جدًا- ستكون نكسة كبيرة للروس وحلفاؤهم، أما إذا انتصر النظام  السوري وحلفاؤه في هذه المعركة واستطاعوا إقفال الحدود التركية السورية، فهذا يعني نهاية ما سمي "المعارضة السورية المسلحة" والمجموعات الارهابية التي تقاتل معها.
من هنا، إن أيًا من المحورين المتقاتلين يصعب عليه التنازل بسهولة والاستسلام في هذه المعركة، وهو ما سيعقّد الحرب ويطيلها، ولكن، الأرجحية تبقى للجيش السوري، إلا أذا أدت الضغوط الى هدنة سوف تؤدي الى خطوط تماس جديدة في حلب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق