2017/09/11

بعد الهزيمة: داعش الى طريق الحرير؟

د. ليلى نقولا
منذ بداية هزيمة داعش في العراق، ومباشرة بعد تحرير الموصل، بدأت مراكز الأبحاث والمحللين السياسيين، يبحثون في مصير داعش ما بعد هزيمته في العراق وسوريا، ويتساءلون الى أين يمكن أن يكون توجّه مقاتلي داعش المهزومين وقادته الأساسيين.
لا شكّ بأن داعش حقق أهدافًا عدة في منطقة المشرق العربي، منها الفوضى وتهجير الأقليات، واستنزاف الجيشين السوري والعراقي وحلفائهم بالاضافة الى أهداف عدّة قد تكون منظورة أو غير منظورة.
ومنذ بروز مؤشر نهاية التنظيم في المشرق العربي، بدأت عمليات داعش تظهر في العديد من الدول الاوروبية والعالم وأبرزها اعلانه عن عمليات متعددة أو تهديدات في آسيا الوسطى، والتي قد تكون مؤشرًا على دور وظيفي جديد لداعش يتجلى في استنزاف كل من ايران وروسيا، والأهم المساهمة في نشر عدم الاستقرار على خط "طريق الحرير الجديد" الصيني.
عمليًا، لطالما خشيت الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وأبرزهم الهند، من الطموحات التوسعية للصين في محيطها الاقليمي وامتداده الى كل من قارتي أفريقيا وأميركا اللاتينية.
وكان الحذر الأميركي قد برز بشكل واضح عام 2005، عبر طرح نظرية "سلسلة من اللؤلو"، في تقرير بعنوان "مستقبل الطاقة في آسيا"، تم تقديمه الى وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد. وهذه النظرية الجيوبوليتكية، تدعو الولايات المتحدة الى التنبه للمخاطر التي يحدثها تبني الصين لاستراتيجية "سلسلة من اللؤلؤ"، والتي تقوم على بناء قواعد عسكرية تبدأ من جنوب الصين، وصولاً حتى أفريقيا، ويتم من خلالها تطويق الهند عسكريًا والسيطرة على المحيط الهادئ.
وفي العام 2013، وخلال زيارته الى أندونيسيا، أعلن الرئيس الصيني عن خطته لإنشاء "طريق الحرير البحري" - بعدما كان قد أعلن في وقت سابق طريق الحرير الجديد البرّي- والذي سيزيد آفاق التعاون والازدهار في منطقة شرق آسيا، وجنوب شرق آسيا.
وسواء تمت تسميته "طريق الحرير البحري" حسب التسمية الصينية، أو "سلسلة من اللؤلؤ" كما سماه الأميركيون، فإن المرافئ التي تعد في أساس استراتيجية الصين البحرية، والتي - وللمفارقة- بمعظمها تقع ضمن استراتيجية داعش التوسعية الحاضرة، هي على الشكل التالي:
1- باكستان؛ محافظة بلوشتان: وقد منحت السلطات الباكستانية عقودًا للصين لبناء مرفأ جوادر Gwadar، ولقد استغلت داعش الأزمة التاريخية القديمة في محافظة بلوشتان الباكستانية، لتظهر في تلك المنطقة ابتداء من آب 2016، وتقوم بعدة هجمات انتحارية وقتال مع الشرطة الباكستانية وعمليات خطف وقتل لصينين وباكستانيين في تلك المنطقة. مع العلم أن بلوشستان تقع ضمن خريطة أنابيب نفطية تمتد من ايران عبر باكستان الى الصين (التي حلّت محل الهند في الخطة الرئيسية).
2- بنغلادش؛ انضمت بنغلادش الى مشروع طريق الحرير الجديد رسميًا في تشرين الأول 2016، وبعد أسبوع فقط من هجمات باريس في حزيران 2016، أعلن تنظيم داعش في (مجلة دابق) مسؤوليته عن أعمال القتل في بنغلادش، مؤكدًا “إحياء الجهاد في أرض البنغال” وإكمال طريق “الجهاد” ليمتد إلى كامل جنوب آسيا. وما زالت أعمال داعش الارهابية مستمرة في بنغلادش، مستغلاً الجماعات الاسلامية المتطرفة التي كانت نائمة لفترة من الوقت.
3- ميانمار أو بورما - محافظة راكان، وهي المحافظة نفسها التي تشهد أعمال عنف غير مسبوق وصور تنتشر عبر الانترنت عن مجازر بحق الاقلية من الروهينغا المسلمة. وقد استغل داعش، المشاكل التاريخية بين كل من حكومة بورما وأقلية الروهينغا المسلمة المتواجدة في محافظة راكان والتي تطالب بالانفصال، ليعلن عن وجود فرع له في بورما في آب 2016 متوعدًا بتنفيذ عمليات إرهابية هناك انتقامًا لما يحدث مع الأقلية الإسلامية هناك.
ومؤخرًا، وبالتزامن مع العمليات الارهابية التي ضربت اسبانيا في آب 2017، أعلن داعش عن تنفيذ عملية إرهابية في بورما ضد الجيش البورمي، أسفرت عن مقتل 100 قتيل، وإصابة عشرات آخرين، وهي الشرارة التي أشعلت الأحداث الأخيرة، وساهمت بتهجير مئات الآلاف من الروهينغا الى بنغلادش والدول المجاورة.
وتبقى المالديف وسريلانكا، اللتان تعدان جزءًا من استراتيجية الصين البحرية والدولتان حذرتا من أن داعش ناشط جدًا ويقوم بتجنيد مواطنين لاستخدمهم في القتال في سوريا والعراق، ويتخوفان من عمليات ارهابية مستقبلية .
إذًا، يبدو أن لداعش مهمة جديدة، تتجلى في زرع القلاقل والفوضى على طريق الحرير الجديد الصيني، سواء البحري أو البرّي، فهل ينجح في زرع الفوضى في ما تبقى من آسيا، بعدما انهزم في اقاليمها الغربية؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق