ليلى نقولا
في سابقة هي الأولى من نوعها مع دولة حليفة وعضو في حلف الناتو، وجّه الحلف إهانة الى تركيا بوضع صورة مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك من ضمن لوائح التصويب الناري، بالاضافة الى خلق حساب وهمي باسم اردوغان في برنامج محادثة ضمن دروس المحاكاة، وذلك للتدريب على "إقامة علاقات مع قادة دول عدوة والتعاون معها". وبالرغم من إعتذار الناتو عن الحادثتين، قرر أردوغان سحب مشاركة الاتراك في تلك المناورات التي عقدت في النرويج.
لطالما اعتبرت تركيا من الركائز الهامة في استراتيجيات حلف الناتو منذ تأسيسه، فقد انضمت تركيا الى الحلف في 18 شباط 1952 ولعبت خلال الحرب الباردة دورًا هامًا في سياسة "الإحتواء" التي قررتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفياتي. وبعد أحداث 11 أيلول 2001، ساعدت الجغرافية التركية المشرفة على آسيا الوسطى، والروابط التي تربط تركيا مع مجموعة الناطقين باللغة التركية في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، بزيادة أهمية تركيا في ميزان استراتيجيات الحلف الاطلسي، واستمر الحال على ما هو عليه الى أن حصلت الحرب في سوريا، فاعتمد الأميركيون والاوروبيون على تركيا في بادئ الأمر لتطبيق سياساتهم الرامية الى الاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، الى أن تبدلت الظروف الميدانية بدخول الروس الى الساحة السورية وفشل الأتراك في إسقاط الأسد، وظهور التباينات في الاستراتيجيات الأميركية والتركية في المنطقة.
يومًا بعد يوم، تكبر الفجوة في علاقات حلف الناتو وتركيا، ولعل أبرز الأمور التي تجعل العلاقات بين الطرفين في أسوأ ظروفها اليوم هي ما يلي:
- اعلان تركيا نيتها شراء منظومة دفاع "أس 400" من الروس، ولقد برر الأتراك هذا الأمر بحاجتهم الى سدّ "الفجوة العسكرية" وتعزيز قدراتهم الدفاعية في ظل تقاعس الناتو عن منحهم منظومة دفاع جوي، وخاصة بعد إقدام كل من ألمانيا وواشنطن على سحب بطاريات صواريخ الباتريوت من الأراضي التركية في ظل أزمة إسقاط الطائرة الروسية في الأراضي السورية. ولقد أعلنت تركيا عن هدف استراتيجي عسكري يتجلى في تصنيع منظومة خاصة للدفاع الصاروخي بحلول عام 2025.
وتشير التقارير تراجع استخدام دول حلف الناتو لقاعدة إنجرليك في تركيا إلى ما يتجاوز 75 في المائة، بالمقارنة بفترات سابقة، سواء في العمليات القتالية أو فيما يخص عمليات الإمداد والتموين للمقاتلات الغربية العاملة ضمن التحالف الدولي ضد داعش.
- إعلان الأتراك رغبتهم بالانضمام الى منظمة شنغهاي للتعاون، مع العلم أنه من الصعب على أي دولة توفق في سياساتها السياسية والعسكرية بين "الناتو" و"شنغهاي" في الوقت نفسه، كون "شنغهاي" تمثل نظاماً أمنياً بديلاً للدول الأعضاء يتضمن توثيق التعاون الأمني والعسكري بين دول المنظمة في مواجهة التهديدات المشتركة.
- الموقف من أكراد سوريا، فقد أعلن الرئيس التركي بعد مباحثاته مع الرئيس بوتين في سوتشي مؤخرًا "أن الروس باتوا يتبنون الموقف التركي بخصوص الشمال السوري"، وذلك يعني أن لدى هامشًا أكبر من الأميركيين يسمح لهم بتقديم التنازلات في الموضوع الكردي وتفهّم هواجس الأتراك في هذا الإطار، في حين يدرك الجميع أنه لم يعد ياستطاعة الأميركيين التخلي عن أكراد سوريا بسهولة في ظل ندرة الخيارات المتوافرة لديهم للتعويل على حليف مقاتل يحفظ لهم نفوذهم في سوريا.
ولعل ما يقلق الأتراك هو التسابق الروسي الأميركي على حفظ موقع الأكراد في مستقبل سوريا، فروسيا كانت قد أعلنت نيتها اشراك الأكراد في مؤتمرات الحل السلمي المرتقبة، قبل ان تتراجع نزولاً عند رغبة أنقرة، ولقد أظهرت مسودة الدستور المسربة سابقًا والتي أعدتها موسكو للنقاش، أن الروس يتصورون إعطاء حكم ذاتي لامركزي للأكراد ضمن سوريا الموحدة. وإن كان على تركيا الاختيار بين أهون الشرّين، فقد يكون الموقف الروسي من الأكراد قابلاً للتفاوض بعكس الموقف الأميركي الذي أعلنه نائب الرئيس الأميركي صراحة عقب لقائه رئيس الوزراء التركي، بأن الأميركيين سيستمرون بالعمل مع أكراد سوريا ودعمهم حتى بعد انتهاء ظاهرة داعش.
وهكذا، تبدو كل المؤشرات متجهة الى زيادة التوتر بين الناتو وتركيا، ولكن لا يمكن التصور ان أردوغان سيعمد الى الانسحاب من حلف الناتو بنفسه، فاستمرار وجوده في الناتو يمنحه قدرة تفاوضية أكبر مع الروس، كما أن تأرجحه بين المحورين يكسبه هامشًا من المناورة والقدرة على استجلاب التنازلات من كلا الطرفين. أما بالنسبة لدول حلف شمالي الأطلسي، فلن يتخلوا بسهولة عن دولة محورية كتركيا بالرغم من كل الابتزاز والتوتر الذي يخلقه اردوغان، إذ لا يمكن أن يدفعوا الأتراك الى الارتماء في أحضان الروس وتحوّل البحر الأسود الى بحيرة روسية. لذا يبدو من المبكر الحديث عن قطيعة أو طلاق بين الناتو وتركيا، أقلّه في المدى المنظور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق