2017/11/29

التعامل مع اسرائيل: كيف سقطت المحرمات؟



ليلى نقولا
جاء اعتقال القوى الأمنية اللبنانية لناشطة فلسطينية وممثل لبناني بتهمة التعامل مع اسرائيل، لتلقي الضوء والتساؤلات على مدى وحجم الاختراق الاسرائيلي للمجتمعات العربية خاصة تلك المحيطة بها أو ما يسمى دول الطوق، ولعل التفاعل مع قضيتهما وقبلهما المخرج زياد الدويري الذي عاش في اسائيل وتواصل مع السلطات الاسرائيلية لتصوير فيلمه؛ لتكشف عمق انقسام مجتمعاتنا على ذاتها ومدى كره الذات الذي نعيشه في موضوع التعامل مع اسرائيل بدليل خروج بعض الشخصيات السياسية والاعلامية للدفاع والتشكيك، واعتبار الأمر يستحق جائزة كما في حالة زياد الدويري.
الأكيد أن التجسس وتجنيد العملاء ظاهرة قديمة جدًا لطالما استخدمتها الدول لاختراق أسرار الدول والمجتمعات الأخرى، فلا يقتصر عمل الجواسيس على اختراق الأسرار العسكرية والأمنية بل أيضًا يطال المجالات الدبلوماسية وكافة مجالات العلوم والتكنولوجيا والاختراعات وغيرها من دعائم اقتصاديات الدول. وهذا يعني أن مهمة الجاسوسية لا تقتصر على أوقات الحرب فقط بل تكتسب أهميتها أيضًا في أوقات السلم، ولا تكون موجهة الى الإعداء فحسب بل تطال الأصدقاء أيضًا، وهذا ما كشفته قضية الجاسوس الاسرائيلي جوناثان بولارد الذي كان عاملاً في البحرية الأميركية وتمّ اتهامه بتسريب المعلومات لإسرائيل عام 1985، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدى الحياة عام 1987، كما فضيحة التنصت الأميركي على المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل خلال عهد أوباما وغيرها.
أما بالنسبة لاسرائيل، فتشير الدراسات أن نشأة الإستخبارات الإسرائيليّة سبقت نشوء الكيان الإسرائيلي بكثير، ففي عام 1914، أنشئت أول منظمة استخبارية اسرائيلية باسم "يلي" لجمع المعلومات عن القوات التركيّة والألمانية، وقد نجحت في سرقة أسرار غـاز "الخردل" وبعض الأسلحة الألمانيَّة الحديثة ونقلها إلى بريطانيا.
ومع تأسيس الدولة، أنشأت اسرائيل مجموعة من الأجهزة الاستخبارية كان أشهرها عالميًا جهاز الموساد الذي أنشئ عام 1951 بقرار من دايفد بن غوريون.

إذًا لقد حاولت دائمًا اسرائيل اختراق الدول العربية وتجنيد العملاء، وتطورت وسائلها بعد اجتياح لبنان الى تأسيس جيش من العملاء (جيش لحد) يعمل لصالحها وينفذ الاعمال القذرة والتعذيب وملاحقة الوطنيين والمقاومين.
لطالما إعتُبر التعامل مع اسرائيل عملاً مشينًا ملاصقًا للخيانة العظمى، وكانت النظرة الاجتماعية تنظر للعلاقة مع اسرائيل باعتبارها عملاً منبوذًا ومدانًا حتى لو لم تكن علاقة تجسسية الطابع، الى أن بدأت الحرب في سوريا، وتوالى سقوط المحرمات وباتت المجاهرة بالصداقة مع الاسرائيليين وطلب ودّهم لا تثير أي نوعٍ من عقدة الذنب أو الشعور بالخطيئة.
ويمكن لنا أن نذكر في هذا الإطار العديد من الشواهد على سبيل المثال لا الحصر:

- مجاهرة العديد من رموز المعارضة السورية بزيارة اسرائيل والمشاركة في مؤتمر هرتسيليا، والظهور على وسائل الاعلام الاسرائيلية، ومحاولات إغراء الاسرائيليين بمبادرات تُسقط حق السوريين في الجولان المحتل، كمبادرة "الجولان المحتل" التي أطلقها بعض المعارضين في المانيا، أو الدعوات التي أطلقت من البعض الآخر لإقامة  "منطقة آمنة في الجنوب السوري" تسيطر عليها اسرائيل وتحظّر الطيران فيها.

- الاختراق الذي حصل في حاسوب مدير في مكتب نتنياهو، والذي كشف عن علاقات واسعة مع سوريين ولبنانيين قدموا معلومات سرية في الملف السوري وغيره.

- بعد انقلاب موازين القوى الميدانية لصالح الجيش السوري، أطلقت بعض المجموعات المعارضة على الانترنت وبكل جرأة، دعوات لاسرائيل "لمساعدتهم في إسقاط النظام" وانقاذ المعارضة من الهزيمة.

- اللقاءات الاسرائيلية مع السعوديين في واشنطن والتي جاهر بها الطرف السعودي واعتبرها أمرًا طبيعيًا في ظل عداء الطرفان لايران. ثم زيارة أنور عشقي لإسرائيل على رأس وفد من الأكاديميين ورجال الأعمال السعوديين والذي اعتبرت من قبل الصحافة الاسرائيلية "إنجازًا كبيرًا” لنتنياهو.

- أثبتت قضية المخرج اللبناني زياد الدويري - والذي زار تل أبيب لتصوير فيلم - أن هناك جمهورًا لبنانيًا وشخصيات سياسية وعامة - من خارج فئة المتعاملين السابقين مع اسرائيل خلال الحرب الاهلية - لم يعد يعتبر التواصل مع اسرائيل أو إقامة علاقات مع الاسرائيليين أمرًا مثيرًا للاستغراب أو الاستهجان بل أمرًا طبيعيًا بحجة الانفتاح والثقافة علمًا أن القانون اللبناني كان واضحًا في تجريم "أي اتصال بالعدو أو دخول أراضيه".

وهكذا، سقطت المحرمات في الوعي العربي، واستطاعت اسرائيل التسلل من بوابة الخراب الذي حلّ في العالم العربي بعد العام 2011 لكيّ الوعي العربي، والتأسيس لخلق قناعات جديدة تنحرف عن الهدف الأصلي باسترداد الحقوق المسلوبة وتقزّيم القضية المركزية لتصبح كل مطالبة بعدم التطبيع نوعًا من اللغة الخشبية المنبوذة، وقد بدأ ذلك بعدما نجح الاسرائيليون بتحويل وجهة الصراع من عربي اسرائيلي الى صراع عربي فارسي  وسنّي شيعي، حتى اختلطت في وعي بعض الفئات مفاهيم العدو والصديق والمقاومة والارهاب.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق