2019/01/24

هل يدفع لبنان ثمن الصراع الأميركي الايراني؟


        كشفت القمة التنموية العربية التي انعقدت في بيروت حجم الضغوط التي يتعرض لها لبنان، خاصة بعدما ألغى جميع القادة العرب - تقريبًا- مشاركاتهم في القمة، لأسباب متعددة. ولقد تزامنت القمة مع جولة قام بها مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل، أرسل خلالها رسائل واضحة الى الداخل اللبناني، فهاجم حزب الله، معتبرًا أنه "ميليشيا خارج الدولة" تقوم بحفر الأنفاق وبجمع ترسانة من مئات الصواريخ التي تهدد الاستقرار، ومؤكدًا أن الأميركيين يهتمون بنوع الحكومة التي ستؤلّف في لبنان...       وبالرغم من العراقيل الداخلية والخارجية، عُقدت القمة الاقتصادية، واستطاع لبنان أن يحقق إنجازًا فيها، بحيث تمّ التوقيع بالاجماع على "إعلان بيروت" حيث وافق العرب على ما يعتبره لبنان الأهم بالنسبة للوضعين الاقتصادي والاجتماعي، أي تشجيع عودة اللاجئين السوريين الى وطنهم الأم، ومساعدتهم في بلدهم، وتمكينهم بحيث يستطيعون المساهمة في إعادة البناء.
        هذا بالنسبة للقمة، أما بالنسبة للحكومة فالتهديدات الضمنية الأميركية للبنان و"مراقبتهم" لنوع الحكومة التي سيتم تأليفها، ترتبط بشكل أكيد بالصراع الايراني الأميركي، الذي يأخذ أشكالاً عدّة ويتمظهر بأزمات داخلية في بلدان عدّة في الشرق الأوسط، أهمها في سوريا.
        يشتبك الأميركيون والايرانيون بالوكالة في سوريا، فالغارات الاسرائيلية على سوريا والتي بات يجاهر بها نتننياهو تُعطي انطباعًا بأن الاسرائيلي يقوم بدور وظيفي في في السماء السورية، بحيث يضغط على الايرانيين للإنسحاب من سوريا، في وقت متزامن مع إبداء الأميركيين رغبتهم بالخروج من هناك.
        أما من الناحية الإقتصادية، فيدفع السوريون اليوم ثمن حرب مزدوجة يشنّها دونالد ترامب على ايران وعلى الحكومة السورية. ففي العشرين من تشرين الثاني / نوفمبر المنصرم، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية، تحذيرًا بفرض عقوبات على كل من يساهم في إيصال المشتقات النفطية الى مناطق الحكومة السورية. وهذه العقوبات تشمل شركات التأمين، وشركات الشحن، والمؤسسات المالية وغيرها من المعنيين بمعاملات الشحن المرتبطة بالنفط مع الحكومة السورية، وكذلك الأفراد والكيانات التي تساهم بالمعاملات المتعلقة بالنفط والمنتجات النفطية الإيرانية أو البنك المركزي الإيراني الخ...
        وهكذا، يعيش السوريون اليوم مأساة إجتماعية واقتصادية لم يشهدوا لها مثيلاً طيلة الحرب، فالعقوبات أدت الى انقطاع الغاز ووقوف المواطنين في طوابير طويلة للحصول على قارورة الغاز وأمام محطة الوقود للحصول على مادة المازوت المستخدمة في التدفئة، هذا بالاضافة الى نقص الفيول الذي أدّى الى زيادة ساعات التقنين الطويلة التي تشهدها المحافظات السورية...
        وهكذا تكون الإدارة الأميركية قد فرضت عقوبات جماعية على الشعب السوري، بالرغم من أن مبدأ العقوبات الجماعية محظور في القانون الدولي. ولقد أكدت اتفاقية جنيف الرابعة (1949) في المادة 33، أنه "تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب".
        كما إن تجربة العقوبات التي فُرضت على العراق من قبل مجلس الامن الدولي بعد "حرب الخليج الثانية" - وهي الأقسى في تاريخ الأمم المتحدة- عبر عدد من القرارات بموجب الفصل السابع، والتي أدّت الى كارثة إنسانية واقتصادية؛ دفعت المجتمع الدولي الى تعديل مبادئ فرض العقوبات الاقتصادية، بحيث لم تعد الدول أو الأمم المتحدة تعتمد سياسة عقوبات تؤدي الى تجويع شعب بكامله، بل باتت العقوبات تستهدف أشخاصًا وكيانات محددة، ومن المفترض بتداعياتها أن لا تؤدي الى كارثة انسانية تطال شعبًا بأكمله.
        وهكذا، نجد أن إدارة ترامب وخلال سعيها لإحتواء ايران، لا تتوانى عن فعل أي أمرٍ مهما كانت تكلفته الإنسانية. لذا بات من الواجب على الدول والكيانات التي تتعرض للتهديد أن تطوّر وسائل مقاومتها للضغوط، وتتكاتف فيما بينها، لتمرير العاصفة بأقل قدر ممكن من الخسائر... وهذا يستوجب - بأقل الايمان- أن يتنبّه حزب الله وحلفاؤه في لبنان الى خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان والمنطقة، ويترفعّوا عن الاقتتال على مقعد وزاري هنا، أو حصة وزارية من هناك.. ففي النهاية، سيسبب الصراع الداخلي ضعفًا بنيويًا في هيكل الدولة، سيدفع ثمنه الجميع بدون استثناء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق