يغادر الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب البيت الأبيض ليعيش
في فلوريدا، معلناً أنه لن يحضر تنصيب جو بايدن، ولن يسلّم الحقيبة النووية. يرحل،
بالرغم من عدم إقراره بالهزيمة التي تعرّض لها في الانتخابات، معتبراً أنه تمّ الغدر
به بنتيجة التزوير.
مخطئ من يعتقد أن رحيل الرجل في 20 كانون الثاني/ يناير 2021، هو نهاية
صناعة "الدراما" التي يتقنها بشكل جيد، نتيجة عمله السابق في "تلفزيون
الواقع"، ونتوقع أن ترامب - الذي يشعر بالخذلان والمرارة- سيتحوّل الى الداخل
الأميركي لحاول تقويض أسس المؤسسة الحاكمة، ويمكن توقع ما يلي:
- فرط الحزب الجمهوري:
لا شكّ أن علاقة الحزب الجمهوري بترامب، يمكن وصفها تماماً بوقائع قصة
"ماري شيللي" الشهيرة؛ بعنوان "فرانكنشتاين" عام 1818.
تدور أحداث القصة في إلمانيا، حيث يقوم شاب جامعي اسمه فيكتور فرانكشتاين،
بخلق "مسخ" بشع جداً، هائل الحجم،
تدّب فيه الحياة فجأة فيهرب من مختبر الجامعة. وتبدأ مآسي فرانكشتاين، حيث يقتل المسخ
أخاه، ويتم اتهام المربية بقتله فتدخل الى السجن. ثم تزداد خطورة المسخ حين يتعلم القراءة
والكتابة، فيطلب من فرانكشتاين أن يصنع له زوجة، يقبل فرانكشتاين ثم يتراجع خوفاً.
يغضب المسخ فتبدأ مرحلة القتل المتسلسل... حتى مقتل فرانكشتاين نفسه.
العبرة التي يمكن أخذها من الرواية، أن مسخ فرانكشتاين حقود لا يعرف الرحمة
ولا الصفح، ولا يحفظ لصانعه فضل أنّه أوجده، ولا يتواني عن أن ينقضّ عليه ليدمر له
حياته وحياة من يحب. ويمكن التوقع أن هذا ما سيكون عليه مصير الحزب الجمهوري في الولايات
المتحدة الأميركية، الذي قوّى الظاهرة الترامبية الشعبوية، لتصل الى وقت تبتلع الحزب بأكمله، أو ستقوم بتفتيت
الحزب من الداخل، وستقسمه إذا قرر ترامب تأسيس حزب جديد.
- تأسيس حزب جديد:
لا شكّ أن الأعداد الكبيرة التي حصل عليها ترامب في الانتخابات (ما يزيد
على سبعين مليون ناخب أميركي) ليست كلها "ترامبية" الهوى، بل إن كثيرين صوتوا
له كمرشح للحزب الجمهوري، ومنهم من صوّت لسياساته كرئيس حول البيئة والنفط الصخري وغيره.
لكن، "الغزوة" التي قام بها أنصار ترامب، والحماس الذي تشهده
وسائل التواصل وغيرها، تشير الى أن "الترامبية" ظاهرة وُجدت لتبقى (أقلّه
على المدى القصير)، وأن فترة بايدن الأولى، والانتخابات النصفية للكونغرس التي ستحصل
بعد سنتين، ستكون مليئة بعدم الاستقرار، وقد يكون لترامب مرشحوه خارج إطار مرشحي الحزب
الجمهوري.
تزدهر الظاهرة الترامبية بين فئات كبيرة من الأميركيين الذين يشعرون بالغضب
تجاه الطبقة السياسية الحاكمة، ويعتبرون أن الحكومة قد خذلتهم، والاقتصاد خذلهم وقد
تمّ تهميشهم على مدى عقود... لهؤلاء، يشكّل ترامب "الإله المنقذ" الذي أعلن
عن نفسه بأنه آتٍ من خارج هذه السلطة التقليدية، ويؤمن انصاره أنه يتعرض للظلم من هذه
المؤسسة الحاكمة وإعلامها. وبالتالي، سيجمع حزب ترامب الشعبوي كل من القوميين العنصريين،
والمهمشين البيض من الأرياف وغير المتعلمين الخ.
وهكذا، قد يستفيد الحزب الديمقراطي من الشرذمة التي سيعانيها الحزب الجمهوري،
لكن المجتمع الأميركي سيواجه مشاكل داخلية مرتبطة بقدرة ترامب على بثّ الانقسام أكثر
فأكثر وإثارة الغرائز، وتحفيز الغضب الشعبي على المؤسسة الحاكمة.
ما العمل؟
يمكن أن يقوم القضاء الأميركي بمساءلة ترامب حول قضايا التهرب الضريبي،
وعن تحريض المتظاهرين للدخول الى الكونغرس والاتهام بالتسبب بالقتل، وبالتالي أما يُسجن
أو يتم إقامة "صفقة قضائية" معه تقضي بعدم ممارسته هو أو أولاده أي عمل سياسي.
في الحالة الأولى، سيستغل ترامب وأولاده ومناصروه القضية ليتحدثوا عن
"مظلومية" سياسية، وبالتالي قد يتحول ترامب الى ظاهرة أكثر خطراً، خاصة إذا
ما قامت ابنته ايفانكا بممارسة العمل السياسي والترشح الى الانتخابات متكلة على أصوات
انصار والدها. وتبقى الحالة الثانية أقل خطورة، خاصة إذا ما اراد بايدن فعلياً تخفيف
الاحتقان والانقسام الداخلي.
في الخلاصة، إن الظاهرة الترامبية التي أتت الى السلطة بسبب أخطاء المؤسسة السياسية الحاكمة، والتي استطاعت أن ترسّخ نفسها خلال أربع سنوات من حكم ترامب، ستسبب المتاعب للإدارة الأميركية، وستحتاج الى بعض الوقت للتخلص من آثارها، إن أحسنت المؤسسة الحاكمة التصرف، وتفرغت للداخل قبل انطلاقها لاحتواء خطر الصعود الصيني والروسي في العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق