2021/08/24

كامالا هاريس في آسيا: وعود أميركية لم تعد جذابة

في ظل انسحاب مفاجئ من افغانستان، وصور مرعبة لمتعاونين أفغان يتعلقون بالطائرات الأميركية للنجاة بأنفسهم من انتقام طالبان، تزور كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن، آسيا، في رحلة هي الأولى لها الى لتعزيز التحالفات الاقليمية، وتهدئة مخاوف الحلفاء.

تبدأ هاريس زيارتها الى سنغافورة، الشريك الأكثر موثوقية بالنسبة للولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا، فالاتفاقيات الدفاعية والأمنية الموقعّة بين البلدين تسمح للجيش الأميركي بالوصول إلى أراضيها ومياهها الإقليمية واستقرارها والتحليق فوقها.

تحاول هاريس في زيارتها تلك، التشبه بالزيارة الخارجية الأولى لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، حيث تمّ التأكيد من خلال تلك الزيارة أن آسيا ستكون الوجهة الأساسية للاستراتيجية الأميركية في عهد أوباما. وكما أوباما، يحاول بايدن ونائبته التأكيد على "أولوية آسيا" في الاستراتيجية المعتمدة للإدارة الحالية، إلا أن تجربة الأسيويين مع إدارتي أوباما وترامب، وصور أفغانستان المذلّة، ستجعل من الصعب على الأميركيين اختراق النفوذ الصيني المتصاعد في المنطقة.

وسيكون أمام الأميركيين، عقبات عدة، منها:

-      صورة الانسحاب الفوضوي من أفغانستان

المشكلة بالنسبة للأميركيين، والتي ستواجه هاريس، أن صورة تخلي الأميركيين عن حلفائهم والانسحاب بدون الالتفات الى الوراء والتي تذكّر بانسحابهم من فيتنام (التي تزورها هاريس أيضاً)، ستدفع العديد في المنطقة الى اعتماد سياسة "منتصف العصا" أي الإبقاء على التعاون مع الصين وأميركا معاً، في منطقة تشهد تزايداً للنفوذين الصيني والروسي بالاضافة الى النفوذ الأميركي.

 

-      تراجع الموقع التجاري للولايات المتحدة

بالرغم من كل الخطابات الواعدة للرئيس بايدن، إلا إن مركز الولايات المتحدة المتضاءل في التجارة الآسيوية لم يعد موضع شك، فالصين استغلت انشغال الإدارات الأميركية المتعاقبة في الشرق الأوسط، لتطلق خطتها للمنطقة عام 2012، ثم أتى قرار دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاقية الشاملة "للشراكة عبر المحيط الهادئ" في عام 2017، ليكرّس تراجع أميركا كلاعب مهيمن في السياسة التجارية في آسيا، ولتصبح الصين  - وليس أميركا- الشريك التجاري الرائد لكل دولة في المنطقة.

واليوم، تحاول الولايات المتحدة ولضرورات جيوسياسية إعادة تأكيد ريادتها الاقتصادية في آسيا، ولكن بايدن يواجه عقبات داخلية تعيق قراراته في مجال التجارة والاقتصاد، فعلى الرغم من أنه أكد في البداية رغبته بالعودة إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي خرج منها ترامب، إلا أن شيئًا لم يحصل لغاية الآن، كما معظم وعود بايدن الانتخابية الأخرى فيما خص العلاقات الخارجية، ومنها العودة الى الاتفاق النووي مع إيران.

-      أخطاء تاريخية في التعامل مع جنوب آسيا

الملاحظ أنه ولعدة عقود، لم تضع الولايات المتحدة سياسة إقليمية حقيقية لجنوب آسيا، بل تعاملت مع المنطقة أنطلاقاً من نظرتهم الى الحرب في أفغانستان، والتي طبعت النظرة الأميركية الى باكستان أيضاً، بالاضافة الى الشراكة بين الولايات المتحدة والهند. لم تحتل الدول الأخرى في جنوب آسيا مكانة بارزة في التفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة، بل بقيت على الهامش في رؤية صانع القرار الأميركي، ولقد ظهر ذلك جلياً عندما كشف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب النقاب عن "استراتيجية جنوب آسيا" عام 2017 ، فكانت أفغانستان والهند وباكستان هي الدول الوحيدة المذكورة في تلك الأستراتيجية.

حتى من الناحية الإدارية والعسكرية، لا تبدو منطقة جنوب آسيا وحدة اقليمية متمايزة بالنسبة للأميركيين، ونلاحظ ذلك من دمج منطقتي حنوب آسيا وأسيا الوسطى في وزارة الخارجية، وقيام البنتاغون بتقسيم القيادة والسيطرة على المنطقة، فالقيادة المركزية تشرف على باكستان، والقيادة الهندية والمحيط الهادئ تشرف على الهند.

هذا يعني أن خروج الولايات المتحدة من أفغانستان سيعطي فرصة للصين لتصبح الشريك الاستراتيجي الأهم لدول جنوب آسيا، وسيجعل الولايات المتحدة مرغمة على أن تعطي أهمية استراتيجية أكبر لدول جنوب شرق آسيا والتي كانت حتى الأمس القريب تعتبر هامشية.

أنطلاقاً مما سبق، يبدو أن زيارة هاريس تهدف الى التأكيد أن المنطقة ودولها تبقى ذات اهمية استراتيجية واقتصادية لواشنطن، لكن من الصعب على تلك الدول أن تؤخذ بالخطابات بدون التزام عسكري واقتصادي واضح من الإدارة الأميركية. إن الضغوط الداخلية، وصور أفغانستان المذلة، وعدم إقدام بايدن وإحجامه عن العودة الى الاتفاقيات السابقة، سيجعل ما سيعرضه على الشركاء الآسيويين أقل جاذبية مما تعرضه الصين، وعليه من غير الممكن بالنسبة للولايات المتحدة أن تستعيد موقعها المهيمن في التجارة الآسيوية بأنصاف حلول، وأنصاف إجراءات، كما يحاول بايدن أن يفعل.

وهكذا، في منطقة تتسم بتزايد نفوذ الصين، لا يمكن للولايات المتحدة الاميركية الاستمرار في السياسة التي كانت تنتهجها سابقاً في تلك المنطقة، وهذا ما سيحوّل المنطقة الى مناطق تنازع نفوذ، سيجعلها أقل استقرارًا وأقل أمناً، ما قد يخدم خطة الولايات المتحدة لتقويص مبادرة طريق الحرير الجديد.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق