2021/11/15

كيف ستكون الخريطة الانتخابية الآتية بالتغيير؟

تندفع الاطراف اللبنانية من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني الى السباق الانتخابي القادم، وتدفع الدول الغربية والعربية لتلك الانتخابات، على أمل أن تشكّل تلك الانتخابات فرصة لتغيير لم يكن بالامكان حصوله عبر العديد من المحطات (خاصة 17 تشرين الاول) التي كادت تفرضه ولكن تعذّرت امكانية ذلك.

وانطلاقاً من هذا التحضير والاندفاعة الى الانتخابات القادمة، يمكن إبداء الملاحظات التالية:

1-  إن استعصاء التغيير السياسي في لبنان، يرتبط الى حدٍ بعيد بأسبقية الطوائف والملل على النظام السياسي والقانوني اللبناني وأسبقية قيام الدولة. بعكس الكثير من الدول في العالم، فإن الطوائف في لبنان هي التي توافقت على إنشاء الدولة، ووضعت أسس النظام السياسي الحاكم وليس العكس. يعتقد كثيرون أن الدولة في لبنان أعطت الطوائف حقوقاً واعترفت بها، بينما يظهر من الممارسة السياسية المستمرة منذ تأسيس الدولة ولغاية اليوم، أن حقوق الطوائف أكثر رسوخاً، وأن النظام الطائفي أكثر تجذراً من النظام السياسي والقانوني، وأن الاحزاب السياسية رسّخت حكم الطوائف وجعلت إمكانية التغيير تقريباً مستحيلة.

2-  إن المشهد المستمر منذ ما قبل 17 تشرين 2019 ولغاية اليوم، لا يعكس بالفعل إمكانية تغيير سياسي شامل بالرغم من كل المحاولات الحثيثة، الخارجية والداخلية، لاسقاط الطبقة السياسية برمتها وفرض تغيير بالشارع. إن شعارات "كلن يعني كلن" انحسرت عند كل طرف وفئة لبنانية لتعني "كلن إلا فريقي السياسي"، بينما تراجعت أهداف المجتمع المدني من إسقاط المنظومة السياسية بأكملها، الى هدف كسب الانتخابات عبر التحالف مع جزء من المنظومة السياسية ضد جزء آخر. فاي تغيير شامل يمكن توقعه عبر خلط الاوراق ذاتها وبنفس الأحزاب؟

3-  لا شكّ أن الحالمين بتغيير سياسي شامل وكاسح من خلال الانتخابات النيابية سوق يصابون بخيبة أمل، فتوزيع المقاعد الطوائفي على الاحزاب السياسية قد لا يتغير الى حدٍ بعيد. تشير التوقعات الداخلية والخارجية الى خريطة انتخابية على الشكل التالي:

- سيحصد الثنائي الشيعي، وفي أي وقت وأي ظروف انتخابية، جميع المقاعد الانتخابية في المناطق ذات الاغلبية الشيعية، وحتى أكثر المتفائلين بالتغيير يتوقعون خرقاً نيابياً للوائح الثنائي، بمقعد أو اثنين على أبعد تقدير.

- ستتوزع المقاعد الدرزية على الأحزاب الأساسية ذاتها.

 - التغيير في الشارع السنّي مرتبط بقدرة تيار المستقبل على خوض الانتخابات، ورغبة سعد الحريري بالعودة الى السلطة، علماً أن الخرق الانتخابي قد يكون عبر أفراد، ولا يبدو- حتى هذه اللحظة- أن هناك قوة تغييرية واعدة أو حزب سياسي فاعل يستطيع أن يقلب المشهد في الشارع السنّي.

- على المقلب المسيحي، والذي يقال انه سيشهد أم المعارك الانتخابية، وذلك لرغبة الخارج بإضعاف التيار الوطني الحر لسحب الغطاء عن ح ز ب الله، بعدما تمّ التيقن بعد القدرة على اضعاف الحزب نفسه في الداخل.

 وهنا، تشير تقديرات القوى التي تسعى للتغيير، من أن وجوه المجتمع المدني القادرة على النجاح لن تكون كثيرة، لذلك سيكون الهدف الأساسي، وهدف الداعمين الخارجيين، ايصال أكبر عدد من النواب للكتائب، والقوات اللبنانية، وبعض أبناء السياسيين السابقين، والشخصيات السياسية الموجودة أصلاً في الساحة السياسية. لذا يتمّ السير بمسارين: إنشاء واجهات مدنية camouflage  لأحزاب سياسية وهو ما حصل خلال انتفاضة 17 تشرين، والضغط على القوى المدنية للتحالف وتشكيل جبهة موحدة مع بعض احزاب السلطة أو مع واجهاتها المدنية.

 

وهكذا،  ومن خلال الخريطة الانتخابية المتوقعة، تعود الاشكالية السياسية اللبنانية ذاتها، حيث يبدو أن "أحلام التغيير" تسعى الى أن تغرف من الطبق السياسي الموجود نفسه، ما يجعل الأكثرية النيابية "الموعودة" و "المطلوبة" و"المدعومة" من الخارج هي أشبه بتركيبة السلطة السياسية اللبنانية قبل عام 2018، اي مجلس نواب تسيطر عليه غالبية من قوى 14 آذار، ومعها ستسقط شعارات "كلن يعني كلن"، وسيعود المواطن اللبناني الى بيته يجتّر السلطة السياسية نفسها مرة تلو المرة، ولكن مع انهيار اقتصادي واجتماعي واخلاقي وقيمي هذه المرة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق