2022/01/03

اللامركزية الادارية الموسعة .. ليست تقسيماً


شكّلت عبارة "الانماء المتوازن" التعبير الأكثر أستخداماً في البيانات الوزارية والخطابات السياسية والرئاسية منذ انتهاء الحرب اللبنانية ولغاية اليوم. ويطرح هذا الموضوع اليوم على بساط البحث، بعد تجدد الحديث عن اللامركزية الإدارية والمالية والموسعة والتي طرحها رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون في دعوته الى طاولة الحوار.
يُقصد بالانماء المتوازن، تحقيق التنمية الشاملة، أي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، في إطار جغرافي شامل لجميع المناطق اللبنانية، بـحيث لا تقتصر التنمية على مناطق دون الأخرى، ولا تكون درجة التفاوت بين الـمناطق كبيـرة بحيث تصبح الهوّة واسعة بين منطقة لبنانية وأخرى.
وقد يكون الخلل والاهمال المتمادي للمناطق اللبنانية خصوصاً الريفية منها، هو الذي جعل حركة النزوح من القرى الى المدن سبباً لتشكّل أحزمة البؤس حول المدن، بالاضافة الى غياب الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وانخراط الأفراد في البيئات المهمّشة في حركات خارجة عن القانون أو الانضواء في حركات "تكفيرية" تمارس الارهاب وقتل الآخرين، كما شهدنا في فترات ما بعد "الربيع العربي".
من جهة أخرى، تحقق التنمية الشاملة، أو ما يسمى الانماء المتوازن، مساواة مقبولة بين المواطنين داخل البلد الواحد، فتزول الـحساسيات التي قد تنشأ بين أبناء الـمناطق نتيجة الـخلل في التنمية والتفاوت بين مناطق نامية ومناطق غيـر نامية، كما يتقلص التفاوت في الـمستوى الاجتماعي بيـن أبناء الـمناطق نفسها.
عانى لبنان منذ تأسيسه، خللاً في عملية التنمية، أدّى الى تفاوت هائل بين المدن والأرياف، وبين بيروت العاصمة وباقي المناطق اللبنانية، أدى إلى انعكاسات سلبية على الاستقرار السياسي في البلاد، وكان من أحد الأسباب انخراط الناس في الاقتتال في الحرب الأهلية، بالاضافة الى عوامل خارجية وداخلية أخرى معقدة ومتشابكة.
وهكذا، وفي محاولة لحلّ جذور هذا المشكلة ولتحقيق التنمية، نصّت وثيقة الوفاق الوطني (تّعرف باتفاق الطائف) من ضمن بند "الاصلاحات الأخرى" على "اللامركزية الادارية"، وحددتها بما يلي:
- الدولة اللبنانية واحدة موحدة، أي أن اللامركزية لا تعني التقسيم بأي شكل من الاشكال.
- توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين، مع إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية.
- أعتماد "اللامركزية الادارية الموسعة" على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرئسه القامقام، تأميناً للمشاركة المحلية.
- اعتماد خطة إنمائية شاملة للبلاد...
وهكذا، فإن الأزمة التي يعيشها لبنان اليوم، وإن كانت لا تستطيع أن تؤدي الى تغيير شامل للنظام أو الى عقد اجتماعي جديد، فالأولى أن تؤدي الى تطوير حياة اللبنانيين وتطبيق ما تمّ التوافق عليه بالاجماع في اتفاق سابق هو اتفاق الطائف (لا يحتاج الى توافق جديد).
ولأن طاولة الحوار المفترضة (اذا حصلت) ينبغي أن تقرّ تطبيق مشروع اللامركزية الإدارية الموسعة، والذي يعدّ منطلقاً لتحقيق تنمية شاملة في المناطق عبر إعطاء المجالس المحلية صلاحيات أوسع ضمن الدولة الواحدة الموحدة (كما يذكر اتفاق الطائف)، وذلك عبر استحداث مجالس منتخبة بالكامل وإعطاءها ليس فقط الاستقلالين الإداري والمالي، وإنما أيضاً التمويل والواردات اللازمة للتنمية وتأمين فرص العمل وتأمين البنى التحتية، وتحصر رقابة السلطة المركزية إلى أقصى حد وتّجعل رقابة لاحقة لا مسبقة، تخفيفاً للبيروقراطية والعرقلة السياسية.
وهكذا، فإن تطبيق اللامركزية الادارية والمالية الموسعة، يجعل الإدارات المحلية قادرة على تقديـم الـخدمات الضرورية للمواطنين والمقيمين في إطارها الـجغرافي، بالاضافة الى أن حاجتها للمال لتحقيق التنمية وتغذية موازنتها السنوية، يجعلها مسؤولة عن إنشاء واستثمار بعض الـمرافق الاقتصادية، ما يسهم في عملية التنمية الـمحلية الشاملة، وتأمين فرص العمل، وبالتالي في مـجال الإنـماء الـمتوازن.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق