دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الكتل السياسية الى طاولة حوار وطني تهدف الى التباحث حول السبل الآيلة الى تخفيف وطأة الجوع والأزمة السياسة والاقتصادية المتفاقمة على اللبنانيين، إلا أن دعوته اصطدمت بالرفض والمكابرة من معظم الفرقاء السياسيين، ما سيجعله يستعيض عنها بلقاءات مصغّرة ومنفردة مع الكتل النيابية والأحزاب السياسية، لاستمزاج الآراء حول كيفية الخروج من الأزمات التي يعيشها اللبنانيون.
واقعياً، لا يجب أن تفاجئ اللبنانيين مسألة رفض
الحوار من الأطراف السياسية التي أبلغت رفضها له، وذلك للاسباب التالية:
أولاً: إن معظم
هؤلاء هم من قادة ميلشيات الحرب الأهلية، ما يعني أن خيار الحوار والنقاش للوصول
الى حلول لمسائل وطنية ليس في قاموسهم. إن الحل الأول والأفض ل بالنسبة لهؤلاء هو
اللجوء الى الشارع لقطع الطرق، والقتل وترهيب الآمنين والقنص كوسائل لتحقيق أهداف ومكاسب
سياسية. أما الحريري الابن الذي لم يكن جزءًا من الحرب الاهلية، فإنه لم يتوانَ عن
استخدام الشارع ايضاً واللجوء الى تأليب الخطاب المذهبي لتحقيق مكاسب سياسية.
بالاضافة الى حالة عدم اليقين السياسية التي يعيشها الحريري منذ استقالته على أثر انتفاضة
17 تشرين الأول، والتي تبيّن لاحقاً ضلوعه فيها للانقلاب على شركائه في السلطة،
فخسر السلطة ويكاد يخسر مستقبله السياسي أيضاً.
ثانياً: وعطفاً
على السبب الأول، إن التاريخ يذكر أنه لم يحصل ان لبى هؤلاء الدعوة الى حوار إلا
بعدما أجبرهم الخارج على ذلك، وذلك بعد أن استنفدوا كل الخيارات الأخرى بدون جدوى،
وبعد أن استنزفوا اللبنانيين وقتلوا وشردوا وارتكبوا الفظائع بالمواطنين اللبنانيين،
وبدون أن يستطيع أحد منهم أن ينهي الحرب لمصلحته.
ثالثاً: إن
التوقيت الذي تطرح فيه مسألة الحوار هو توقيت مهم وضروري وحاسم بالنسبة للبنانيين
الذين لا يكاد يجدون قوت يومهم، أما بالنسبة للرافضين فمآسي اللبنانيين غير ذات أهمية.
يتحضّر رافضو الحوار هؤلاء أنفسهم لحرب داحس والغبراء الانتخابية، وبالتالي إن تخفيف
التشنج عبر الحوار لا يستوي مع التحريض الاعلامي والمذهبي والطائفي الذي يقومون به
والذي سيزداد كلما اقتربت الانتحابات النيابية.
رابعاً: إن
ارتباط هؤلاء بأجندات خارجية، يجعل من الحوار غير ذي جدوى. إن المرحلة الحالية في
المنطقة هي مرحلة "تقطيع وقت" بانتظار نتائج مباحثات فيينا بين
الأميركيين والايرانيين، وليس الوقت مناسباً لأي انفراجة لبنانية عبر الحوار:
-
يقوم الأميركيون بتمرير الوقت ولا يبدون أي
استعداد لتحقيق انفراجات على الساحة اللبنانية كونها جزء من أدوات الضغط على
الايرانيين في المفاوضات. بينما يمرر الايرانيون الوقت غير مستعدين لتقديم أي
تنازلات قد تحتسب في إطار الضعف والتراجع على أبواب مفاوضات مفصلية في فيينا.
-
يحاول الاسرائيليون تمرير الوقت عسى أن تطرأ
أحداث ما تعرقل مفاوضات فيينا، فتجعل الأميركيين ينسحبون من المفاوضات مع إيران ويعمدون
الى فرض عقوبات أقسى عليها.
-
بينما يحاول السعودي تمرير الوقت، عسى أن يحصل ما
يكرّس له انتصاراً - ولو شكلياً - في اليمن. علماً أن السعودي في الوقت الراهن
يحاول أن يحني رأسه للعاصفة، أملاً في عودة ترامب الى الحكم في الولايات المتحدة،
وبالتالي عودة الحرارة الى علاقته بالأميركيين، وقدرته على إعادة تعويم نفسه إقليمياً.
لكل
هذه الأسباب، كانت دعوة الحوار في غير موعدها بالنسبة لطبقة سياسية أفقرت
اللبنانيين وساهمت في تجويعهم، وهي تريد اليوم أن تستثمر في يأسهم وحنقهم ومأساتهم
لتقودهم الى صناديق الاقتراع لإعادة التجديد لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق