2022/02/14

واقعية الرهان على دور روسي في لبنان



بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، عاشت الولايات المتحدة الأميركية عقداً من الهيمنة المطلقة على العالم، وفيه سيطرت على الشرق الأوسط بصورة منفردة، فكافأت من يقف الى جانبها، وعاقبت كل من وقف ضد هيمنتها ومن لم يلتزم بالقواعد التي وضعتها.
وعلى هذا الأساس، قامت الولايات المتحدة في عقد التسعينيات من القرن الماضي، باستراتيجية "الاحتواء المزدوج" لكل من العراق وإيران، بينما تمتعت السعودية بموقع متقدم، واعتبرت سورية "دولة مسؤولة" عن الاستقرار في محيطها.
اليوم، وبعد عقد من الفوضى والحروب تحت عنوان "الربيع العربي"، وبعد تراجع الهيمنة الأميركية المطلقة في منطقة الشرق الأوسط، يتطلع العديد من اللبنانيين الى دور روسي في لبنان يوازن الدور الأميركي. وينظر هؤلاء الى السلوك الروسي في سورية، معتبرين أن التحالفات الروسية مبنية على المبدئية أكثر مما هي تحالفات الولايات المتحدة التي عادة ما تبنى على أساس المصلحة الأميركية، والتي متى انتهت، تخلت الولايات المتحدة عن حلفائها كما حصل مع العديد من السياسيين اللبنانيين في أوقات سابقة من التاريخ اللبناني منذ عام 1958 ولغاية اليوم.
وعليه، من المفيد قراءة المعطيات للنظر الى واقعية هذه التمنيات، ونورد ما يلي:
أولاً- إن وضع سورية مختلف عن الوضع اللبناني بالنسبة للروس والاميركيين. لم تكن سورية يوماً حليفة للأميركيين بل صنّفها الرئيس جورج بوش الأبن بأنها من دول "محور الشر". حتى خلال العقد الأخير من حكم حافظ الأسد والذي استطاع فيه أن يحسّن علاقته بالأميركيين ويحصد النتائج، ولم يكن بإمكان الأميركيين إقناع الأسد بعقد سلام مع اسرائيل.
لذلك، وبما أن الاميركيين ليسوا مستعدين لترك فراغ في لبنان ليملأه الروسي، وليس لدى الروسي في الوقت الحالي مَن يمون عليهم في لبنان ليتغلغل سياسياً ويفرض نفسه على الساحة السياسية اللبنانية، فلا أمل لهؤلاء من أن يتكلوا على اختراق روسي للساحة اللبنانية لموازنة النفوذ الأميركي.
ثانياً: إن الساحة اللبنانية المفتوحة على مصراعيها للتدخلات وصراع النفوذ الأميركي والخليجي والايراني والتركي، تجعل من لبنان ساحة مليئة بالتناقضات، حيث التدخل فيها مكلف والجدوى الاستراتيجية لا تتناسب مع الأكلاف. لذلك، لا يحتاج الروسي الى فتح جبهة جديدة مع الأميركيين، في وقت يحتدم فيه الصراع بين الطرفين على مناطق حيوية بالنسبة للروس، وتمسّ بأمنهم القومي مباشرة بعكس لبنان، الذي لا يؤثر حتى في نفوذهم المستجد في سورية.
ثالثاً: من عادة السياسيين اللبنانيين تغيير ولاءاتهم بحسب موازين القوى السائدة. فنجد مثلاً أن مَن كانوا حلفاء سورية في لبنان سرعان ما انقلبوا عليها بعد مجيء الأميركيين بأنفسهم لتولي إدارة الشؤون اللبنانية بعد اغتيال الحريري. ولقد كشفت ويكليكس أن هؤلاء كانوا يذهبون الى السفير الأميركي جيفري فيلتمان يستشيرونه بكل تفصيل، ويمارسون النميمة ضد بعضهم، وسوى ذلك من الأمور التي كان رستم غزالي يضطلع بها.
لكن موازين القوى الحالية لا تشي بقدرة الروس على التوسع الى لبنان. لذلك لا أمل – أقله في الوقت القريب- للسياسيين اللبنانيين لنقل البارودة من كتف الى كتف، في حال قررت الولايات المتحدة إعادة توكيل الساحة اللبنانية الى جهة إقليمية لا يرتاحون في التعامل معها، أو إذا أرادت تلك الجهة الاقليمية معاقبتهم بعدم إعطائهم مكاسب سياسية داخلية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق