2022/05/18

قراءة موضوعية في انتخابات لبنان

 

 

انتهت الانتخابات النيابية اللبنانية بهدوء سياسي وشعبي وأمني لافت، يؤكد قدرة لبنان والدولة اللبنانية أن على تخطي الانهيار وعودة الانتظام الى المؤسسات في ما لو كان هناك إرادة سياسية بذلك.

 

واقعياً، وبالرغم من كل التضليل الاعلامي والاهتمام العالمي بالانتخابات النيابية اللبنانية، ومسارعة وسائل الاعلام اللبنانية والغربية والعربية الى إعطاء نتائج وتحليلات وإسقاطات سياسية، حتى قبل صدور النتائج، فإن قراءة دقيقة للنتائج والأصوات وحجم الكتل، تعطي المؤشرات التالية:

 

1خسارة الأغلبية النيابية:

 

حصد حزب الله والتيار الوطني الحر والحلفاء، عام 2018 غالبية نيابية قوامها 71 مقعداً، تراجعت هذه الحصة اليوم الى 61 نائباً (تختلف التقديرات، البعض يقول 64).

 

في النتائج، لقد احتكر الثنائي (حزب الله، حركة أمل) المقاعد الشيعية بشكل كامل، وخسر حلف المقاومة الحلفاء الدروز بشكل كامل، وحافظ الحليف المسيحي على قوته، كما حافظ حلف المقاومة على نسبة مقبولة من الحلفاء السنّة. بالمقابل، ازدادت قوة معارضي المقاومة من المسيحيين والسنّة، واحتفظ جنبلاط بكتلته بدون تغيير.

 

وبين تلك القوى السياسية التقليدية المتصارعة، تشكّلت كتلة وازنة قوامها 15 نائباً من المجتمع المدني، لكنها متباينة فكرياً وسياسياً من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، ومن مطالبين بنزع سلاح المقاومة الى مؤيدين لبقائه الى منخرطين بالمقاومة.

 

في تحليل الأرقام، خسرت الغالبية النيابية السابقة بعضاً من مقاعدها، لكن لا يمكن القول أن الغالبية النيابية تلك قد خسرت 10 مقاعد بالكامل. عملياً، تناقصت الغالبية قبل الانتخابات بكثير، تحديداً بعد ثورة 17 تشرين الأول/أوكتوبر 2019، حيث انسحب العديد من النواب ممن كانوا يُحسبون من ضمن هذه الغالبية (على الأقل 5 نواب) وانضموا الى صفوف الثورة، ما يعني أن الغالبية النيابية لم تنطلق في هذه الانتخابات من رقم 71 بل من رقم 66. علماً أن جميع النواب الذين انسحبوا وانضموا للثورة (باستثناء شامل روكز) قد عادوا ونجحوا في هذه الانتخابات، واحتسبوا ضمن "الشخصيات السياسية المستقلة".

 

2مفاجأة التيار الوطني الحر

 

لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يحافظ التيار الوطني الحر على كتلة وازنة كبيرة، بل كان التقدير ان التيار لن يصمد في حساب الشعب اللبناني وأنه سينهار كلياً في انتخابات تمّ التمهيد لها عبر ثورة، وسنوات من الحرب الاعلامية والتنمر والوشايات، وصرف الأموال والضغوط الاقتصادية والدولية والعالمية، بالإضافة الى انهيار اقتصادي ومالي وانفجار المرفأ، وتحميل رئيس الجمهورية والعهد مسؤولية خراب نتيجة 30 سنة من سياسات الفساد والنهب المنظّم للخزينة العامة.

 

المفاجأة تمثلت في أن التيار لم يصمد فحسب بل حصد كتلة وازنة قوامها 21 نائباً، وهي تعد الكتلة الأكبر في البرلمان اللبناني.

 

3تقدم القوات اللبنانية

 

تقدمت القوات اللبنانية في هذه الانتخابات وحصدت كتلة نيابية وازنة تنافس كتلة التيار الوطني الحر وتوازيها تقريباً.

 

لكن الأمر لم يشكّل مفاجأة للمراقبين والمطلعين على سير الانتخابات في لبنان، فلقد كانت القوات الحزب الأكثر تمويلاً في الانتخابات النيابية، بالاضافة الى تلقيها دعم علني ومباشر من السفير السعودي وليد البخاري الذي  استخدم علاقاته ونفوذ المملكة مع السياسيين ورجال الدين السنّة  لدعم القوات، ثم جال بنفسه على الأقضية لحصد الدعم للوائح القوات، وإجبار المرشحين السنّة على اللوائح المقابلة على الإنسحاب تأميناً لحواصل أكبر للكتلة القواتية.

 

عملياً، استفادت القوات من تغييب الرئيس سعد الحريري عن الساحة السياسية، إذ لم تكن تستطيع أن تحصد هذا الكمّ من الاصوات السنية الداعمة للوائحها، لو كان هناك لوائح منافسة لتيار المستقبل. اللافت أن السنيورة الذي أوكل بمهمة إنهاء دور آل الحريري في السياسية اللبنانية، قد تلقى خسارة مدوية حيث لم تستطع لوائحه أن تحصد أي مقعد نيابي.

 

4الثنائي: حزب الله وحركة أمل

 

انتشرت في الاعلام الغربي والمحلي تقارير تفيد بتراجع حزب الله في هذه الانتخابات وأن النتائج تشير الى فقدانه الدعم الشعبي.

 

إن التدقيق بأرقام المقاعد والأصوات التي نالها حزب الله، تشير الى أن كتلته زادت عددياً هذا العام عن العام 2018، بالإضافة الى حصوله على أعلى نسبة أصوات تفضيلية على صعيد لبنان، وعلى عدد أصوات أكثر من عام 2018.

 

لقد استطاع الحزب أن يحوّل المعركة الى معركة "حماية المقاومة" وتصويت "ضد حرب تموز سياسية"، فاستنفر الجمهور الشيعي للتصويت بكثافة. أما حركة أمل فلقد خسرت مقعدين، وخسر الرئيس بري حلفاءه من خارج كتلة حركة أمل، فسقط الفرزلي وفيصل كرامي وابراهيم عازار وأسعد حردان، والصيرفي مروان خير الدين وغيرهم.

 

5مفاجآت الساحتين السنية والدرزية

 

بالطبع حصل خلط كبير للأوراق في الساحتين السنية والدرزية، إذ أن غياب تيار المستقبل سمح بوصول فسيفساء من الاتجاهات الفكرية والسياسية الى الندوة البرلمانية ضمن المقاعد السنّية. بشكل عام، لقد توّسع حجم التيار العروبي في هذه الانتخابات في كل الدوائر ذات الغالبية السنّية... أكبر المفاجآت كانت في صيدا، حيث حققت لائحة أسامة سعد والبزري انتصاراً كبيراً بحصولها على 3 مقاعد في دائرة صيدا- جزين.

 

أما على الساحة الدرزية، فلقد استطاع المجتمع المدني إخراج قيادات درزية عريقة من البرلمان اللبنانية (طلال إرسلان ووئام وهاب)، وهكذا خسرت المقاومة حلفاءها في الساحة الدرزية بالكامل.

 

في الخلاصة، يبدو أن تركيبة البرلمان اللبناني المتنوعة ودخول قوى جديدة الى البرلمان اللبناني، ستعطي دفعاً أكبر لقوى المجتمع المدني للترشح عام 2026. لكن على الصعيد السياسي، يُتوقع أن أن يكون هناك خلط كبير للأوراق واصطفافات سياسية تتوسع وتضيق بحسب الموضوع ورغبة الداعمين الخارجيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق