2022/05/30

الغرب: عودة سياسة الاذلال


 

منذ ما قبل بدء الحرب في أوكرانيا، يندفع كل من الرئيس الأميركي، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والعديد من الوزراء الأوروبيين، التعبير عن نيّتهم برؤية روسيا مذلولة في أوكرانيا، وكما قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن "إنه يريد أن يرى روسيا ضعيفة وغير قادرة على التعافي".

 

بعد الاندفاعة الغربية لمحاولة تكبيد روسيا ثمناً باهظاً، حذّر هنري كيسنجر وقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من خطورة الطرح الغربي بإذلال روسيا. الأخير دعا أوروبا الى أن تتعلم من أخطائها السابقة وأن تتأكد من عدم تعرض أي طرف للإذلال عندما تتفاوض روسيا وأوكرانيا من أجل السلام. وحذر ماكرون من أنه بينما تساعد أوروبا الآن أوكرانيا، ستأتي نقطة تسعى فيها موسكو وكييف إلى السلام. مضيفاً أنه في تلك المرحلة، لا ينبغي إهانة أي من الطرفين أو استبعاده كما حدث لألمانيا في عام 1918.

 

بالطبع يشير ماكرون هنا الى الشروط القاسية والمجحفة التي فرضت على ألمانيا بموجب هدنة 11 تشرين الثاني / نوفمبر 1918 والتي مهدت الطريق لصعود هتلر، والذي أدى في النهاية إلى الحرب العالمية الثانية.

 

ولكن، واقعياً، إن سياسة إذلال الخصم ليست جديدة على الغرب، وحيث نجد في الذاكرة الجماعية كل من روسيا والصين ما يلي:

 

1قرن الاذلال الصيني:

 

عاشت الصين فترة ما يسمى "قرن الإذلال" (1835- 1945)  حين غزت الدول الأوروبية الاستعمارية واليابان الأراضي الصينية.

 

يعود تاريخ بداية قرن الإذلال إلى منتصف القرن التاسع عشر، عشية حرب الأفيون الأولى حين غزا البريطانيون الأراضي الصينية والتي تلاها العديد من الهزائم الصينية. تذكر الروايات الصينية لغاية اليوم، كيف عاش الصينيون الإذلال بعدما دمر الغرب حضارتهم وتعمدوا محو ما يفتخر به الصينيون وأحرقوا قصورهم وتراثهم وآثارهم.

 

واليوم، تستحضر الرواية الرسمية الصينية صور الاذلال الغربي للبلاد، لدعوة الناس الى تأييد حكومتهم في سعيها نحو القوة الداخلية والخارجية.

 

2حرب القرم (1853-1856)

 

ترجع الأسباب العامة لهذه الحرب، التي قامت بين روسيا من ناحية والدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا وبيدمونت من ناحية أخرى، إلى المسألة الشرقية التي ظلت دون حلّ وكانت ذريعتها المباشرة النزاع بين روسيا وفرنسا حول الإشراف على الأماكن المقدسة بفلسطين. وفي أيلول 1855 تمكنت قوات الحلفاء من احتلال ميناء سيباستبول فاضطرت روسيا إلى القبول بالصلح وأجبرت على توقيع معاهدة باريس عام 1856، التي اعتُبرت مجحفة بحق الروس وسعت الى إذلالهم.

 

بخسارة روسيا والشروط المجحفة التي فُرضت عليها، خرقت القوى الغربية "القانون الأول لنظام دول الوفاق الأوروبي القائل بأنه (لا ينبغي تحدي أية قوة عظمى أو السعي إذلالها)، وبالتالي سقط النظام الدولي السائد آنذاك.

 

هذه التجارب التاريخية، سواء الإلمانية أو الصينية أو الروسية، تشي بأن سياسة الاذلال هي سياسة لطالما أعتمدها الاوروبيون منذ الاستعمار، وكانت سبباً في الكثير من الحروب في العالم. واليوم، لا يبدو ان الفكر الاستعماري القديم الذي يعتمد مبدأ الاذلال قد انتهى، بل هو نفسه الفكر الذي يحاول اذلال روسيا، والذي قد يكون السبب في الحرب الأوكرانية بالأساس، حين رفضوا مجرد النقاش بالهواجس الروسية الأمنية.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق