2022/12/19

التسوية الشاملة مؤجلة: هل تكفي التسويات الموضعية؟

لم تظهر مفاعيل اتفاق الترسيم البحري الذي استبشر به اللبنانيون خيراً، والذي تمّ توقيعه عبر مفاوضات غير مباشرة بين لبنان "واسرائيل"، والذي أعطى لبنان القدرة على التنقيب في مياهه ورفع الفيتو الذي كان الأميركيون قد وضعوه من ضمن الضغوطات القصوى التي مارسوها على لبنان.

عملياً، يعتبر إتفاق الترسيم البحري تسوية موضعية، لا يتوقع أن تخرج لبنان كلياً من عنق الزجاجة الذي وُضع فيه، ولكنها ستؤدي الى بدء الثقة بحصول الدولة اللبنانية على مداخيل بما يؤدي الى القدرة على التفاوض مع الدائنين وصندوق النقد الدولي حين تظهر إرادة دولية لذلك.

والآن، وفي خضّم الفراغ الرئاسي والحكومي، يحتاج لبنان بشدّة الى أمرين: قراءة واضحة ودقيقة لأسباب الانهيار، ثم تصوّر لحلول جذرية.

-      أسباب الأنهيار:

لا شكّ تتباين نظرة اللبنانيين حول أسباب الأنهيار الذي حصل، وذلك بحسب الجهة السياسية التي ينتمون إليها، والتي تبرر أو توصف الانهيار بحسب مصالحها أو إيديولوجيتها السياسية.

يندفع البعض لتحميل الأميركيين كامل المسؤولية عن الانهيار الشامل الذي حصل، لكن- وإن كان الأميركيون يتحملون مسؤولية في الضغوط الاقتصادية الكبرى التي مارسوها وفي الغطاء السياسي الذي أمنوه لحلفائهم ولحاكم البنك المركزي- إلا أن هذا لا يعني أن يتم التذرع بالضغط الأميركي لتبرئة الطبقة السياسية اللبنانية من الذنوب والخطايا التي ارتكبتها.

إن المساهمة الأميركية في الانهيار اللبناني لا يجب أن تطمس الحقيقة عن الفساد المنظّم والممنهج  والسرقات الضخمة التي ارتكبتها الطبقة السياسية اللبنانية منذ الطائف ولغاية اليوم،  وتعطيل المؤسسات، وغياب الرقابة والمساءلة، بالاضافة الى السياسات الاقتصادية وتثبيت سعر صرف الليرة، وضرب أسس الاقتصاد المنتج لصالح الاقتصاد الريعي، والهندسات المالية التي قام بها رياض سلامة والتي أغدق فيها أموال الناس على البنوك، في وقت كان يتذرع بعدم قدرة البنك المركزي على دعم القروض السكنية وغيرها... الى أن تمّ تتويجها بإنقلاب 17 تشرين الأول 2019، وإقفال البنوك وتهريب الأموال الى الخارج في أكبر سرقة منظمة في التاريخ الحديث.

-      الحلّول:

بما أن الإنهيار مردّه الى عوامل مركّبة داخلية وخارجية، فلبنان يحتاج الى حلّ متعدد الوجوه، ولا يكفي أن يكون هناك تسوية إقليمية -داخلية تهندسها الولايات المتحدة، وتؤدي الى إعادة سير الحياة السياسية وانتخاب رئيس جمهورية وحكومة كاملة الصلاحيات، بدون معالجة حقيقية لمسار الأمور في الداخل، وتأمين حدّ أدنى من المحاسبة والمساءلة، وتوقف النهب المنظّم لخزينة الدولة.

الواضح من مسار التطورات الدولية ان التسوية الشاملة في المنطقة مؤجلة، والاتجاه الدولي وخاصة الأميركي هو الى تأمين الاستقرار في الشرق الأوسط وليس الذهاب الى تسويات كبرى، لذا، فإن أي تسوية موضعية في لبنان تؤدي الى انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية والتوافق على أسم رئيس الحكومة وشكلها، بدون الاتفاق على مسار لمكافحة الفساد ومحاسبة البنوك والتخلص من رياض سلامة، والاستمرار بالتدقيق الجنائي الخ.. أي تسوية سياسية بدون تلك الاجراءات وبدون اي اتفاق على مسار الإصلاح، يعني أن الطبقة السياسية استطاعت أن تؤمّن لنفسها  ولأركان الدولة العميقة عفواً "واقعياً de facto  " عن كل الجرائم المالية التي قامت بها، وبالتالي استطاعت أن تفلت من العقاب مرة أخرى كما فعلت في بداية التسعينات من القرن الماضي، عبر إقرار  العفو العام الجنائي الذي حصل في تسوية  ما بعد الحرب الاهلية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق