2022/12/15

مأساة نساء غرينلاند: "إبادة جماعية" شاهدة على عنصرية لا تنتهي

تفاعلت إعلامياً الحملة التي تقوم بها مجموعة من سيدات غرينلاند لمطالبة السلطات الدنماركية بتحقيق شفاف فيما قامت به سلطات الدنمارك على مدى عقود (منذ الحرب العالمية الثانية) من انتهاك لحقوقهن وإخضاعهن لعمليات قسرية تستهدف منعهن من الحمل من دون علمهن أو علم أهاليهن.

وطالب العديد من منظمات حقوق الإنسان وبرلمان غرينلاند بإجراء تحقيقات واسعة في الحملة التي قامت بها الدنمارك على مدى عقود، واستهدفت منع النساء في غرينلاند من الإنجاب. واتفقت الحكومتان في الدنمارك وغرينلاند على بدء تحقيق لمدة عامين، يسعى لتوثيق خلفية حملة تحديد النسل وتنفيذها وأسباب إطلاقها واستمرارها، ولتوثيق برامج أخرى للتحكّم في الخصوبة حتى عام 1991، على الرغم من أن أهالي المدينة يرون أن الحملة استمرت إلى ما بعد عام 1991.

هذه القضية أعادت التذكير بقضيّة سابقة كشفت قيام الحكومة الدنماركية ببرنامج تجريبي على الأطفال في غرينلاند عام 1951، بحيث تمّ نقل 22 طفلاً من أطفال الإنويت في غرينلاند إلى أسر حاضنة دنماركية، في محاولة لإعادة تعليمهم على أنهم "دنماركيون صغار"، ليصبحوا فيما بعد الطبقة التي ستحكم غرينلاند في المستقبل وللمساهمة في "تمدين" سكانها وإخراجهم من "التخلف".

وفي حين كان من المفترض أن يكون جميع الأطفال أيتاماً، فإنَّ التحقيقات كشفت أن 6 منهم فقط كانوا أيتاماً، فيما تمّ نزع الأطفال الآخرين من أسرهم عنوةً. وقد عانى الأطفال عزلة ثقافية واسعة النطاق واغتراباً اجتماعياً، وتعرّض نصفهم لاضطرابات نفسية وإدمان ورغبة في الانتحار طيلة حياتهم، ومات نصفهم في بداية سن الرشد. 

وقد اعتذرت حكومة الدنمارك رسمياً عام 2020، بعد سنوات من رفض المسؤولين الدنماركيين ومطالبة المسؤولين في غرينلاند بذلك.

قانونياً، وبالاستناد إلى تشريعات القانون الدولي، وخصوصاً نظام روما الأساسي (نظام المحكمة الجنائية الدولية)، فإن ما قامت به الدنمارك هو "جريمة إبادة جماعية". وتنصّ المادة 6 من نظام روما الأساسي على أن "الإبادة الجماعية" تعني ارتكاب أيّ فعل من الأفعال التالية بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً:

أ)- قتل أفراد الجماعة.

ب)- إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفرادها.

ج)- إخضاعها عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً.

د)- فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخلها.

هـ)- نقل أطفالها عنوةً إلى جماعة أخرى.

إنَّ ما ظهر من الممارسات الدنماركية الاستعمارية في غرينلاند، وخصوصاً موضوع فرض تدابير على النساء تمنعهنّ من الإنجاب، يعد جريمة إبادة جماعية، وأركانها كما يلي:

1- أن يفرض مرتكب الجريمة تدابير معيّنة على شخص أو أكثر.

2- أن يكون الشخص أو الأشخاص منتمين إلى جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية معينة.

3- أن ينوي مرتكب الجريمة إهلاك تلك الجماعة القومية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية، كلياً أو جزئياً، بصفتها تلك.

4- أن يُقصد بالتدابير المفروضة منع الإنجاب داخل تلك الجماعة.

5- أن يصدر هذا السلوك في سياق نمط سلوك مماثل واضح موجّه ضد تلك الجماعة، أو أن يكون من شأنه أن يحدث بحد ذاته ذلك الإهلاك.

في النتيجة، قد لا يطالب برلمان غرينلاند إلا بمعرفة الحقيقة والاعتذار، إلا أنَّ هذه الإبادة الجماعية لسكان المدينة ومحاولات "تمدينهم" وإخراجهم من "التخلف"، تشير إلى عنصرية راسخة ومتجذرة، سببها عقدة التفوق لدى الشعوب الغربية "البيضاء" بشكل عام، والأوروبية بشكل خاص.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق