ترتفع
الأصوات اليمينية في السويد مهاجمة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بسبب ما يقولون
إنها شروط تعجيزية لمنع السويد وفنلندا من الانضمام إلى حلف الناتو، وكان آخرها
زعيم حزب الديمقراطيين السويديين جيمي أكيسون (اليميني المتطرف) الذي وصف الرئيس
التركي بأنه "ديكتاتور إسلامي"، معتبراً أن بلاده قدمت الكثير من أجل
إرضاء تركيا لتأمين عضويتها في الناتو ولكنْ لهذا حدود "لأننا في النهاية
نقدم تنازلات لنظام مناهض للديمقراطية ولديكتاتور مجبرين على التعامل معه".
وتأتي
أهمية تصريحات أكيسون، كون حزبه الحزب اليميني الذي تستند إليه الحكومة السويدية
الحالية، خاصة أن حزب الديمقراطيين السويديين المناهض للهجرة وللمسلمين استطاع في
سنوات قليلة التوصل إلى أن يكون ثاني أكبر حزب في البلاد، بعدما حصل في الانتخابات
العامة التي جرت في أيلول/سبتمبر على نسبة 20.54 في المئة من الأصوات.
عملياً،
تشترط أنقرة على السويد تسليمها ناشطين كرداً من حزب العمال الكردستاني، وهو أمر
معقد مرتبط بقدرة السويد على تنفيذ هذا الشرط الذي وافقت عليه رئيسة الوزراء
السويدية السابقة (تنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي خرج من الحكم بعد
الانتخابات الأخيرة).
تنقسم
طلبات الترحيل التي تطالب بها أنقرة إلى 3 فئات:
-مَن
لم يحصلوا على حق اللجوء من المواطنين الأتراك، وهؤلاء يمكن للسويد قانونياً
ترحيلهم.
-
مَن
حصلوا على حق اللجوء السياسي، وهؤلاء من الصعب ترحيلهم لأن الأمر مرتبط باتفاقيات
حقوق الإنسان واللجوء التي وقعت عليها السويد، وقدرة اللاجئين على التظلم لدى
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حال قررت السويد ترحيلهم.
-مَن
حصلوا على الجنسية السويدية وهؤلاء من المستحيل ترحيلهم، لأنهم يتمتعون بالحقوق
والواجبات نفسها كما رئيس الوزراء نفسه.
وكانت
الحكومة السويدية قد اعتبرت أن القضاء السويدي له الكلمة الأخيرة في هذه القضايا
وأن المحاكم مستقلة، لكن الأتراك ذهبوا بعيداً في هذا الأمر واشترط المتحدث باسم
الرئيس التركي إبراهيم كالين، أن يغيّر "النظام القضائي السويدي تعريفه
القانوني للإرهاب حتى ترفع تركيا معارضتها لانضمام السويد إلى الناتو".
وهكذا،
تواجه الحكومة السويدية إشكاليات عديدة في موضوع انضمامها إلى حلف الناتو، فما
يطلبه الأتراك أصعب من قدرة الحكومة على تأمينه، وفي المقابل هناك لوبيات ضاغطة
تدفع إلى الدخول في حلف الناتو مهما كان الثمن، تحقيقاً لمكاسب سياسية واقتصادية:
1-
من
الناحية السياسية:
يبدو
الدخول في الناتو إنجازاً لليمين السويدي المعروف بانحيازه إلى الأميركيين، علماً
أن هناك اتجاهاً سياسياً شاملاً (يمينياً ويسارياً) يؤيد الدخول في الناتو والتخلي
عن سياسة الحياد السابقة. وكانت الحملات الانتخابية الماضية قد شهدت وعوداً من قبل
اليمين السويدي بتأمين قدرات عسكرية وصناعية دفاعية وطنية أقوى في حال الفوز
بالانتخابات.
2-
من
الناحية الاقتصادية:
ينشط
لوبي سياسي صناعي عسكري في السويد لحثّ السياسيين على تغيير القوانين الداخلية
لتتلاءم مع بيئة الاستثمار الجديدة بعد الانضمام إلى الناتو، متطلعين إلى زيادة
فرص الاستثمار في القطاعات العسكرية، نظراً للمضاعفة المتوقعة للنفقات الدفاعية من
قبل الدول الأوروبية حتى عام 2026. وسيكون الجزء الأكبر من هذا الإنفاق مخصصاً
للحصول على قدرات عسكرية جديدة، وهي فرصة تراها السويد سانحة كونها تتمتع بحضور
تنافسي في سوق السلاح الأوروبي.
وهكذا،
تعلّق الصناعات الدفاعية السويدية آمالاً كبيرة على الدخول في حلف الناتو ما يساعد
الشركات المحلية على فتح أسواق جديدة وجني مكاسب كبرى تمنحها لها عضوية الناتو،
وتؤهلها للمنافسة والحصول على سوق واعد سواء على الصعيد الأوروبي أو على صعيد دول
الناتو الأخرى. وبالفعل، بدأ قطاع الدفاع في السويد في زيادة الطاقة الإنتاجية
لتلبية الطلبات المتوقعة لزيادة تدفق الطلبات بمجرد قبول الدولة في الناتو.
وعليه
وبعد الشروط التعجيزية التركية، يتطلع السويديون إلى ما يمكن أن يقدمه الأميركيون
للأتراك لتخطي العراقيل التي يضعها إردوغان في وجه انضمام السويد إلى الناتو،
ويشير بعض الخبراء إلى أن الأميركيين قد يعرضون قيام بايدن بتسهيل صفقة بيع طائرات
مقاتلة من طراز F-16 بقيمة 20 مليار دولار إلى تركيا، في ظل
اعتراضات من قبل نواب من مجلس الشيوخ وتهديد بمنعها، وذلك بعدما ألغى الكونغرس
الأميركي صفقة حصول تركيا على طائرات أف 35، بعد اتفاقها مع الروس على الحصول على
منظومة دفاع أس 400.
في
النتيجة العملية، وبينما تزداد الدعوات لحض تركيا على الموافقة السريعة على انضمام
السويد وفنلندا إلى الناتو، ومنها الدعوات الأخيرة التي أطلقها الأميركيون ومنهم
وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن الذي دعا الدول التي لم تصدق بعد على
انضمام السويد وفنلندا إلى الإسراع في ذلك (تركيا وهنغاريا)، من غير المتوقع أن
يكون لزيارة وزير الخارجية التركي إلى واشنطن ولقائه بنظيره الأميركي هذا الأسبوع
أي تأثير على موضوع الطلبات التركية من البلدين لتسهيل انضمامهما إلى الناتو، خاصة
وأن إردوغان يستخدم هذه القضايا في حملاته الانتخابية الداخلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق