يشهد العالم هذا الأسبوع 3 قمم مهمة –
بشكل متزامن - تطرح مستقبل العلاقات الدولية والإقليمية على بساط البحث، وهي قمة
مجموعة السبع في اليابان، وقمة الصين – آسيا الوسطى في الصين، وقمة جامعة الدول
العربية في السعودية، التي تعود إليها سوريا للمرة الأولى منذ بداية الحرب فيها.
ولعلَّ المشترك في القمم الثلاث هو طرح
مستقبل الهيمنة الغربية العالمية على بساط البحث، وهو ما يظهر في أشكال مختلفة
فيها، وذلك على الشكل التالي:
1- قمة مجموعة السبع في اليابان (19 إلى 21 أيار/مايو
2023)
تتكوّن مجموعة السبع من الولايات
المتحدة واليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وكندا. وقد دُعيت 8 دول أخرى
هذا العام لحضور القمة، منها الهند والبرازيل وأستراليا وإندونيسيا وكوريا
الجنوبية وفيتنام.
عادةً ما يطغى الانسجام السياسي التام
بين أعضاء مجموعة السبع. وكما بات معروفاً منذ بدء الحرب الأوكرانية، فإن جميع
اللقاءات الغربية تركّز عادة على كيفية السعي لهزيمة روسيا عسكرياً في أوكرانيا،
ومحاولة احتواء الصين أو ما تمت تسميته "التخلص من ابتزاز الصين
الاقتصادي"، بحسب ما نشر عن أهداف القمة الحالية.
لكن، وبالرغم من الوحدة الظاهرية، تبقى
مجموعة السبع منقسمة حول العديد من القضايا، منها كيفية التعامل مع الصين، والحكمة
والمعقولية للإذلال العسكري الكامل لروسيا، وكيفية إقناع "الجنوب
العالمي" بأن النظام الجديد الذي سينبثق من هذه الحرب يمكن تشكيله لمصلحته.
بالنسبة إلى الصين، صار واضحاً أن هناك
انقساماً بين الدول المعنية نفسها في كيفية مقاربة الخطر الصيني وإمكانية مقاطعة
الصين اقتصادياً، وهو ما ترفضه كل من فرنسا وألمانيا، فيما تدفع الولايات المتحدة
إلى التشدد في الآليات التي يجب استخدامها ضد الصين، ومنها التلويح بفرض عقوبات
عليها في حال ساعدت روسيا في حربها في أوكرانيا.
وليس التباين حول الصين هو الهاجس الوحيد للمجتمعين في قمة
السبع، بل أيضاً ما كشفته زيارة رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، لأربع دول
أفريقية في آذار/مارس المنصرم، والتي كشفت عدم ثقة "الجنوب العالمي"
بالآليات الغربية التي كانت تسيطر على النظام العالمي والرغبة في تغييرها، والسعي
المتزايد للتخلص من الهيمنة، وهو ما دفع العديد من دول العالم الثالث إلى عدم
إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا.
2- قمة الصين – آسيا الوسطى في الصين (18
و19 أيار/مايو 2023)
استضافت مدينة شيان الصينية قمة الصين
وآسيا الوسطى، وهي واحدة من أهمم القمم التي تستضيفها الصين، والتي تؤكد الرغبة
الصينية المتزايدة في التوسع العالمي، علماً أنها المرة الأولى التي يجتمع فيها
قادة دول آسيا الوسطى الخمس (كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان
وأوزبكستان) والصين في قمة واحدة منذ 31 عاماً.
متكلاً على سلسلة من الإنجازات
الاقتصادية التي حققتها الصين في تلك الدول، أعرب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن
استعداد بلاده لمساعدة دول آسيا الوسطى على بناء قدرات دفاعية، مؤكداً أنه يجب
الحفاظ على سيادة دول آسيا الوسطى وأمنها واستقلاليتها.
وكان التعاون بين الصين والدول الخمس قد
حقق العديد من الإنجازات على الصعيد الاقتصادي، وهي التي تعتبرها الصين منطقة
"الأوائل"، لأن آسيا الوسطى كانت المنطقة "الأولى" التي تمّ
فيها إطلاق مبادرة "الحزام والطريق" ومحطة الانطلاق غرباً نحو أوروبا،
إذ بنت الصين مجموعة من سكك الحديد في المنطقة، وتمّ افتتاح طريق سريع بينها وبين
قرغيزستان وأوزبكستان شكّل شريان نقل دولياً عبر الجبال من دون عوائق... ويعد خط
أنابيب الغاز الطبيعي بين الصين وآسيا الوسطى أطول خط أنابيب للغاز الطبيعي في
العالم.
هكذا، يبني الصينيون على الإنجازات
الاقتصادية والتنموية للتوسع أمنياً في منطقة لطالما شهدت تنافس نفوذ أميركي –
روسي- صيني، وهو ما دفع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته دول وسط
آسيا في آذار/ مارس المنصرم إلى الوعد بتخصيص 25 مليون دولار إضافية بعد حزمة أولى
مماثلة أعلنت في أيلول/سبتمبر 2022، لمساعدة دول آسيا الوسطى على تنويع طرق
التجارة وخلق فرص العمل عبر تعليم اللغة الإنكليزية وتطوير أنظمة الدفع الإلكتروني
وتدريب العاملين المهاجرين العائدين.
3- القمة العربية في جدّة (19 أيار/مايو
2023)
تعد القمة العربية المنعقدة في السعودية
هذا العام قمة استثنائية بكل ما للكلمة من معنى، إذ يحضرها الرئيس السوري بشار
الأسد بعد قطيعة طويلة سببها قيام الجامعة بالتصويت على طرد سوريا من الجامعة
تزامناً مع الحرب الدائرة فيها، التي انخرط فيها الغرب وبعض الدول العربية لتغيير
النظام.
وكان مسار الانفتاح على سوريا قد بدأ
منذ العام 2018 عبر كل من الأردن والإمارات؛ فبعد إلغاء الرئيس الأميركي السابق
دونالد ترامب برامج دعم تسليح المعارضة السورية (2017) واستعادة الجيش السوري
السيطرة على الشريط الحدودي مع الأردن ومعبر نصيب ـــ جابر، عقد الأردن وسوريا
مباحثات أدّت إلى فتح الحدود واستعادة العلاقات التجارية بينهما وتفعيل المنطقة
الحرّة الأردنية ـــ السورية.
اليوم، تصدر الدعوات الغربية لرفض
"التطبيع مع النظام السوري" ووجوب أخذ أثمان سياسية في مقابل ذلك
التطبيع وعودة سوريا إلى الجامعة العربية. وكان مسؤولون ألمان وأوروبيون وأميركيون
ونواب من الكونغرس قد رفضوا "التطبيع"، مع العلم أنه لا يمكن التصور أن
الانفتاح الأردني - الإماراتي على سوريا في وقت سابق حصل ضد الإرادة الأميركية أو
في تحدٍ لها، وخصوصاً في ظل إدارة ترامب التي فرضت ضغوطاً قصوى على كل من إيران
ولبنان والعراق، واغتالت اللواء قاسم سليماني، بما يستبعد فكرة قيام الحلفاء بتحدي
إرادة ترامب للتواصل مع سوريا.
في المحصلة، تكشف التطورات العالمية يوماً بعد يوم أن النظام الدولي الذي هيمن عليه الغرب لفترة طويلة بات يتعرض للتحدي، وأن دول العالم (غير الغربي) لم تعد راغبة في الاستمرار بالخضوع للهيمنة الغربية، وهو ما يعيه الغرب تماماً، وهو ما تجلى في النقاشات في مؤتمر ميونيخ للأمن هذا العام، والمؤتمر الأمني الذي استضافته العاصمة الإستونية الأسبوع المنصرم، الذي أكدت فيه مديرة المؤتمر أن الفهم الأوروبي "للعدوان الروسي قد لا يكون مشتركاً مع الجنوب العالمي"، وأضافت: "لقد فتحت الحرب جراح الماضي الاستعماري في الجنوب، وأوروبا باتت تسمع تهماً بالنفاق واللامبالاة... هناك حاجة إلى حوار أعمق وتفاهم متبادل أفضل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق