2023/06/05

القرار 2254...القرار الضائع في سوريا

استدركت قوى المعارضة السورية التطورات المتسارعة في المنطقة والتي تتمثل بالمصالحة بين كل من سوريا والدول العربية في مسار أول، وبين سوريا وتركيا في مسارٍ ثانٍ ترعاه كل من روسيا وإيران. وقامت قوى المعارضة بالدعوة إلى استئناف المفاوضات المباشرة مع النظام برعاية الأمم المتحدة، لتطبيق الحل السياسي الشامل وفق منطوق قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

وتشكّل الدعوة من قبل المعارضة الى تطبيق القرار المذكور بدون ذكر بيان جنيف (2012)، إدراكاً بأن التطورات باتت تسبقها، وتجدر الاشارة الى الملاحظات التالية:

1-   القرار 2254 "حمالة أوجه":

يشكّل قرار مجلس الامن الدولي رقم 2254 "حمالة أوجه"، حيث يستطيع كل طرف أن يستقي منه ما يريده. فالحكومة السورية تعتبر ان القرار يستوجب "القضاء على الإرهاب وإعادة إنعاش الأوضاع الاقتصادية وإزالة العقوبات على سوريا المفروضة من الدول الغربية"، وذلك بحسب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد. بينما تركّز بعض القوى المعارضة على أن القرار المذكور يؤكد تأييده لبيان جنيف 2012 "كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية"، ويشير الى "تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير طائفية".

وبالتالي، ليس هناك خارطة طريق واضحة وجازمة في نص القرار يمكن الاستناد إليها، علماً أن المقاربة الواقعية اليوم، وبعد كل التطورات، تعطي تفسيرات جديدة للقرار بعيدة كل البعد عما تطمح اليه المعارضة السورية وهو "تشكيل هيئة حكم انتقالية تطيح بالاسد وتسلم الحكم للمعارضة"، وهو أمر غير واقعي ولن يحصل.

 

2-   الميدان يفرض نفسه:

واقعياً، دائماً ما يفرض الميدان نفسه على المفاوضين وليس العكس، فالحرب ليست هدف بحد ذاته بل هي وسيلة لتحقيق أهداف سياسية.

وعليه، إن ما تحاول أن تحييه قوى المعارضة وتشير إليه وهو "تسليم الحكم في سوريا الى هيئة حكم انتقالية" قد تخطاها الزمن وباتت من أشبه المستحيلات خاصة بعد عام 2015 وما تلاه من تطورات سمحت للدولة السورية بالسيطرة على 75 بالمئة من الجغرافيا السورية.

والجدير بالذكر، أن القمم العربية المتعاقبة منذ صدور القرار 2254، كانت قد أتت على ذكره وعلى بيان جنيف (2012) في بياناتها الختامية منذ عام 2016 ولغاية عام 2019، لكن قمتي عام 2022 و2023 لم تشيرا الى ذلك القرار مطلقاً، ما يعني أن التطورات قد تجاوزته ولم يعد قابلاً للتطبيق.

 

3-   الاقليم يفرض نفسه

لا شكّ أن الوقت لعب لصالح الحكم في سوريا، فقد تبدلت مواقف الدول العربية وتركيا من الرئيس السوري بشار الأسد، ولم تعد تطالب برحيله بل باتت تعتبره جزءًا أساسياً من الحلّ في المنطقة.

تبدلت الأولويات التركية مع مرور الزمن، وبات الجانب التركي يريد مصالحة مع الرئيس بشار الأسد تضمن له إعادة اللاجئين السوريين في تركيا، وتأمين الأمن القومي التركي عبر إزاحة التهديد الذي تشكّله وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرقي سوريا.

كذلك تبدلت مواقف الدول العربية بعد فشل المعارضة المسلحة في تحقيق المطلوب منها، وباتت أولوية إعادة اللاجئين، ووقف إطلاق النار، ووقف تهريب المخدرات أولوية الدول العربية التي لم تعد معنية بالاطاحة ببشار الأسد كما كانت في بداية الحرب.

4-   حرب أوكرانيا تفرض نفسها

لا شكّ أن انخراط الدول الغربية في حرب مع روسيا بالوكالة في اوكرانيا، وأولوية أوكرانيا في الصراع الدولي الحالي، ترخي بظلالها على المواقف الدولية بخصوص سوريا.

وبالرغم من البيانات التي أطلقتها بعض الدول  مؤخراً، كوزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التي أيدّت محاكمة الأسد، والموقف الأميركي الذي قال انه لا يشجع التطبيع مع الأسد.. إلا أن الحقيقة تكمن في مكان آخر.

في بيان صحفي رسمي صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، في 25 كانون الثاني / يناير من عام 2023، اعتبر ممثلو كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة مع المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون لمناقشة "حلّ الأزمة في سوريا بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم "2254، والعمل مع "الشركاء في المنطقة ومع المعارضة للمشاركة بشكل كامل ضمن إطار العمل هذا، بما في ذلك عبر عملية متبادلة خطوة بخطوة".

واقعياً، إن مقاربة "خطوة مقابل خطوة" التي تمّ الاتفاق عليها مع الحكومة السورية، والتي تحدث عنها بيان الخارجية الأميركية،تنسف فكرة الحل السياسي في سوريا على أساس القرار 2254، علماً أن القرار المذكور أتى نتيجة توافق أميركي روسي في حينه، والحلّ السياسي الشامل اليوم يحتاج الى توافق دولي(خاصة بين الروس والأميركيين) غير ممكن في المدى الزمني المنظور. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق