2024/01/19

الحرب الاستباقية الاسرائيلية على لبنان: من منع الجنون؟

يوماً بعد يوم، تتكشف الحقائق حول حرب غزة، إن كان من ناحية عدد الشهداء الذين قتلتهم "اسرائيل عمداً"، أو الخطط بتهجير قسري للفلسطينيين، أو خطط  الضربات الاستباقية التي قال عضو كابينت الحرب الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، إنه من خلال وجوده في حكومة الحرب منع "إسرائيل" من ارتكاب خطأ استراتيجي فادح في مهاجمة حزب الله في الأيام التي تلت هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وأكد آيزنكوت إنّ "إسرائيل" كانت على وشك "ضرب حزب الله، على الرغم من أنّ الأخير، لم يطلق النار بعد على إسرائيل"، مشيراً إلى أنه "أقنع المسؤولين في حكومة الحرب بالتأجيل".

ويلاحظ في هذا الاطار، أن التقارير تتباين في الجهة التي منعت الحرب على لبنان، فبعض التقارير أشارت الى نتنياهو وبعضها ينسب الانجاز الى الرئيس الأميركي جو بايدن، واليوم يخرج أيزنكوت لينسب هذا الامر لنفسه، متفاخراً بأنه منع حرباً على لبنان. ولا شك أن هذا التفاخر له مبرراته، ففي وقت تتخبط في اسرائيل في حربها على قطاع غزة، بحيث أنه بعد مرور أكثر من 100 يوم، لم تحقق اسرائيل الاهداف المعلنة التي تحدثت عنها، لا بل أنها لم تحقق أيضاً أهدافاً فرعية تعتبر أساسية لتحقيق الاهداف الأكبر المطلوب تحقيقها من الحرب العدوانية على غزة.

وعليه، واذا كان الاسرائيليون لم يستطيعوا تحقيق أي أهداف أساسية يمكن البناء عليها لتحقيق انجازات لفرض تصوراتهم لما يسمى اليوم التالي، فإن كشف الحقائق عن نيات اسرائيلية بالهجوم على حزب الله، والذي يمتلك أسلحة دقيقة ويتمتع بقدرات تنظيمية وعسكرية أكبر بكثير من قدرات المقاومة في قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007، يشي بأن قيادات اسرائيل أما بالغت في تقدير قوتها واستخفت بقدرات أعدائها، أو أنها أرادت أن تستغل الدعم الأميركي والغربي، ووجود حاملات الطائرات الأميركية في شرق المتوسط، لتفتح حرباً مع لبنان. مع العلم أن التصريحات الأميركية التي تحدثت عن وجود حاملات الطائرات لردع أعداء اسرائيل ومنهم حزب الله وايران، قد تكون "أغرت" نتنياهو باستغلال الحرب على غزة لتحقيق هدف اسرائيلي مستمر منذ ما بعد حرب تموز 2006، وهو الانتقام من لبنان.

أما بالنسبة للادارة الأميركية والتي كانت قد أعلنت أن أولويتها التفرغ لاحتواء الصين وروسيا، فهي تعرف جيداً كلفة الانخراط في حروب مكلفة في الشرق الاوسط، وخاصة تكاليف الحروب الاستباقية أو الوقائية التي قام بها جورج بوش في العراق، علماً أن تلك الحروب محظورة في القانون الدولي.

وكان جورج بوش قد استخدم م مبدأ الضربة "الوقائية" في حربه على العراق، بالرغم من أن مفهوم "الحرب الوقائية" أو حق الدفاع الوقائي عن النفس، عمل محظور في القانون الدولي العام ويتناقض كليًا مع ميثاق الأمم المتحدةكذلك مبدأ الضربة الاستباقية المعروف في العلم العسكري، وسبق وأن استخدمته ألمانيا ضد النرويج، خلال الحرب العالمية الثانية، بذريعة منع غزو الحلفاء لألمانيا، لكن محكمة نورمبورغ رفضت الحجة الألمانية وأقرت بعدم شرعيتها.

مع العلم، أن الضربات الوقائية تكتفي بتشخيص إمكانية خطر قد يأتي من دولة أخرى من أجل شن حرب وإن قامت دولة ما بشنها منفردة، على عكس الضربة الاستباقية والتي كانت تعتمد في الحرب في حال وقوع خطر شديد وملموس، وتستخدم قبل وقوعه لتشل قدرة الخصم.

من جانب آخر، كان قرار مجلس الامن الدولي رقم 486 قد أدان بشدة استخدام الضربة الاستباقية ضد مواقع مشكوك فيها لتطوير أسلحة الدمار الشامل، وذلك بعد الهجوم الإسرائيلي ضد مفاعل تموز العراقية عام 1981،  وأدان أيضًا بشدة خرق إسرائيل لميثاق الأمم المتحدة وقواعد السلوك الدول.

وعلى هذا الأساس، وبغض النظر عن الجهة التي منعت حرب اسرائيل الاستباقية على لبنان، والتي كانت خياراً جنونياً ومكلفأ ولن تخرج فيها إسرائيل منتصرة، فأنها أيضاً وفّرت على الاميركيين الانجرار الى حرب مع لبنان، لا مبرر لها علماً أن لبنان ليس عدواً للولايات المتحدة، ولها نفوذ كبير فيه، وتتمتع بصداقات قوية مع معظم سياسييه.

في النتيجة، كما حصل بعد حرب تموز، ستكشف الاوراق الاسرائيلية بعد حرب غزة الكثير من الحقائق عن تلك الحرب وما قبلها والاخفاق الاسرائيلي فيها، واذا صح الحديث عن خطط اسرائيلية لشن هجوم استباقي على لبنان، كما قال ايزنكوت، فيكون انخراط حزب الله في هذه الحرب، شبيهاً بدخوله الحرب السورية ومحاربة الارهاب لمنع وصوله الى لبنان. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق