2011/07/01

محكمة لبنان.. أداة عقاب جماعي!

مع صدور القرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، واتهام عناصر من حزب الله في الاغتيال، من المفيد التنبه إلى مسألة بالغة الأهمية والخطورة قد تنتج عن هذا الامر، بالرغم من التبسيط الذي تمارسه بعض الدول، والادعاء بأن اتهاماً كهذا لن يؤثر ولن يغير في مسار الأحداث، وبالرغم من التصريحات التي تحدثت عن تمثيل المتهمين لأنفسهم، لكن الامر ليس بهذه البساطة، ويمكن – بحسب القانون الجنائي الدولي- أن يؤدي إلى اتهام وإدانة "جميع من ينتمي إلى الحزب"، وذلك في سابقة أخرى تضاف إلى السوابق التي اعتمدت في إقرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
لعل أخطر ما ينتظر المتهمين القرار الاتهامي، بالإضافة إلى ما ورد في نظام المحكمة الأساسي حول مسؤولية الرئيس عن المرؤوس الواردة في المادة الثالثة من النظام الأساسي، هو الإدانة بموجب مبدأ قضائي مستحدث في القانون الجنائي الدولي يطلق عليه اسم "المشروع الجنائي المشترك" joint criminal enterprise، والذي تعتمده المحاكم الدولية منذ عام 1999، وبالتحديد منذ الحكم الذي أصدرته محكمة يوغسلافيا في قضية تاديتش، والذي اعتبر علامة فارقة في القضاء الجنائي الدولي، والسابقة التي اعتمدت عليها المحاكم الدولية الأخرى لإدانة المتهمين بموجب "القصد المشترك" أو "الهدف المشترك"، وهو ما ورد في النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان صراحة أيضاً.
ما هو هذا المبدأ؟ وكيف يتم استعماله في المحاكم الدولية؟
بداية، يمكن تلخيص هذا المبدأ بما يلي: يعتبر كل عضو في "مجموعة منظمة" مسؤول مسؤولية جنائية فردية عن الجرائم التي ترتكبها المجموعة ضمن الخطة المشتركة أو الهدف المشترك، وهذه الإدانة مختلفة بالطبع عن الإدانة بالتحريض أو المساعدة.
ويميز القرار الذي اعتمدته محكمة يوغسلافيا في إدانتها لتاديتش، بين فئات ثلاث متمايزة من المسؤولية ضمن هذا المبدأ، وهي:
•- الفئة الأولى: تتمثل في الحالات التي يكون فيها جميع المتهمين يعملون بقصد مشترك، ويملكون نفس النية الجرمية، أي إنهم على سبيل المثال تشاركوا في خطة القتل، وحتى لو كان كل واحد منهم أدى دوراً مختلفاً، لكنهم جميعا يملكون النية الجرمية.
وهنا على الادعاء الإثبات أن المتهم اشترك طوعياً بطريقة أو بأخرى في القصد المشترك، أو أنه ولو لم يشارك مباشرة في القتل، إلا أنه كان يملك النية للوصول إلى هذه النتيجة.
•- الفئة الثانية: وهي تشبه تقريبا الفئة الأولى، وهي حالات "معسكرات الاعتقال"، وهي تعتمد أيضاً على مبدأ الهدف المشترك، حيث يدان كل العسكريين والإداريين الذين أداروا هذه المعتقلات، اي جميع الاشخاص الذين عملوا وفقاً لخطة منسقة.
•- الفئة الثالثة وهي الأخطر والأكثر إشكالية، والتي أخذت حيّزاً واسعاً من الانتقادات الفقهية القانونية على الصعيد الدولي، وهو الإطار الموسع من مبدأ القصد المشترك الذي يقول: يدان جزائياً جميع أعضاء "المجموعة المنظمة" في حال كانت الجريمة "نتيجة طبيعية ومتوقعة" للهدف المشترك الذي وضعته المجموعة لنفسها، حتى لو لم يكن هذا الهدف المشترك جرميا في الأساس.
وضمن هذه الفئة الثالثة تمّت إدانة تاديتش، فقد اعتبرت المحكمة أن الهدف المشترك للمجموعة وهو تحقيق"صربيا الكبرى"، فإن الجرائم المرتكبة بحق غير الصربيين كان نتيجة طبيعية ومتوقعة لهذا الهدف المشترك.
وفي حكم آخر أدانت المحكمة كاراديتش بموجب ست أهداف استراتيجية مشتركة للمجموعة التي يقودها، وقد اعتبرت ان من الأهداف المهمة والرئيسية "فصل الصرب عن المجموعات الوطنية الأخرى"، كما اعتبرت أن الهدف المشترك بـ"تقوية نفوذ الصرب وتوطيد سلطتهم في البلدية" أدى إلى الضغط على غير الصرب، من خلال بروباغندا إعلامية ساهمت في إشاعة جو من الرعب والترويع بين غير الصرب، وساهمت في تغذية الحقد الذي أدى فيما بعد إلى جرائم تطهير عرقي كـ"نتيجة طبيعية ومنطقية".
وبالرغم من أن النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة لم ينص صراحة على مبدأ "القصد المشترك"، بل تضمن مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية وليس الجماعية، وبالرغم من الانتقادات الحادة التي تعرض لها هذا المبدأ، خصوصاً الفئة الثالثة منه، لأنه يمس بابسط مبادئ القانون الجنائي التي تعتبر أن "لا إدانة من دون جرم"، ولانتهاكه لمبادئ حقوق الانسان، ويمس بمصداقية الاحكام، ويعطي المدعي العام للمحكمة سلطات استنسابية واسعة.. فقد استخدمته المحاكم الدولية كمحاكم كيوغسلافيا ورواندا وكمبوديا وتيمور الشرقية وغيرها، ولو بطريقة انتقائية.
من هنا، ينبغي الالتفات إلى أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أدرجت في (المادة الثالثة - البند الاول) من النظام الأساسي عبارة واضحة وصريحة حول "المجموعة ذات الهدف المشترك"، وهنا الخطر الأكبر، وهذا يعني أن المحكمة تتحضر لمساءلة جزء كبير أو "كل" من ينتمي إلى حزب الله، وتحميلهم مسؤولية جنائية فردية، لوجود هدف مشترك أو أهداف مشتركة، كفرض سيطرة حزب الله، أو تقوية نفوذه، أو غير ذلك من الأهداف التي قد تعتبر المحكمة أن "الاغتيال" يأتي "نتيجة طبيعية ومنطقية لها". كما أن التوصيف الذي أُطلق على جريمة اغتيال رفيق الحريري بأنها جريمة ارهابية يجعل الإشارة إلى الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب أهون وأسهل بالنسبة إلى المحكمة لإدانة أعضاء حزب الله بموجب مبدأ "الهدف المشترك"، وعليه ستتم الاستدعاءات، وسيطلب من الحكومة اللبنانية التعاون وتسليم المطلوبين بموجب اتفاقيات "مكافحة الارهاب" التي وقعها لبنان سابقاً، إن لم يكن بموجب بروتوكول التعاون مع المحكمة.
يوماً بعد يوم تكشف المحاكم الدولية، ومثلها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أنها أداة لتسييس العدالة واستخدامها لتصفية حسابات سياسية ودولية، وإذا لم تكن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد بدأت المحاكمات بعد للحكم عليها، لكن تجارب تحقيقاتها، وطريقة إقرارها وقضية شهود الزور التي تنصلت منها وغيرها، تنبئ بأن لبنان قادم على تحديات كبيرة قد ترهن مستقبله ومستقبل الأجيال المقبلة، وستعرضه لضغوط كبيرة وتضعه تحت رحمة قضاة دوليين يتكشف يوماً بعد يوم مدى "مصداقيتهم"، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر القاضي ريتشارد غولدستون، الذي تراجع عن تقريره في مقال صحفي أطلق فيه أحكاماً وتراجع عن أخرى من دون تحقيق ولا تثبت؛ فقط لكسب الرضى الإسرائيلي!
·         استاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق