في الذكرى الخامسة لحرب تموز 2006، يعيش اللبنانيون على وقع حديث عن محاولة إسرائيلية جديدة للاعتداء على السيادة اللبنانية من خلال التوقيع الإسرائيلي من جانب واحد على خريطة الحدود البحرية، والتي تقتطع فيها جزءاً من المياه الإقليمية اللبنانية، وهكذا يكون انتهاك إسرائيل للسيادة اللبنانية امتد بحراً ليقضم المياه الإقليمية ويغتصب حقوق لبنان بالغاز بعدما استمر طويلاً بالاعتداء عليه براً وجواً.
وبالرغم من مرور خمس سنوات على تلك الحرب العدوانية على لبنان، وعلى أبواب صراع جديد يفتح من بوابة المياه الإقليمية، يمكن لنا أن نرصد تشابه التصرفات العدوانية الإسرائيلية القائمة على اغتصاب الأراضي، فإسرائيل لا تتبدل، ولا يمكن أن تتخلى عن طبيعتها العدوانية، لكن ما تغير هو الجانب المقابل أي قدرة لبنان على كبح شهية الإسرائيليين المفتوحة دوماً على العدوان.
كما أظهرت لجنة فينوغراد، لم تكن الحرب على لبنان وليدة ظروف مستجدة أو نتيجة خطف الجنديين الإسرائيليين، بل كان القرار الإسرائيلي بالحرب على لبنان متخذ منذ انسحابهم من لبنان في أيار 2000، وينتظر أمرين: الجهوزية والظروف المكانية والزمانية.
وانطلاقاً مما كان بن غوريون قد أكده عند تأسيس الدولة العبرية أن "إسرائيل ممكن أن تهزم العرب مئة مرة، ولكن إن هُزمت مرة واحدة فذلك يعني نهايتها"، تقوم إسرائيل منذ انتهاء حرب تموز بالتحضير لشن حرب جديدة على لبنان وتجهد لاستعادة قوتها الردعية وهيبتها العسكرية التي تزعزعت، ما تسبب لها بكارثة استراتيجية لم تستطع أن تتخطاها حتى اللحظة، ويأتي في هذا الإطار، المناورات التي تقام كل سنة من أجل تحصين الجبهة الداخلية وتحسين أدائها خلال الحرب، ومنها المناورة الأخيرة "نقطة تحول ـ 5"، التي أكدت، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، عدم استعداد الجبهة الداخلية لمواجهة أي حرب محتملة، وعلى فشل إسرائيلي في ترميم المناعة الاجتماعية وفي إقناع الشعب بجدية المناورة والاستجابة لمتطلباتها والانخراط في العملية التدريبية التنفيذية التي تفرضها، حيث إن نسبة التجاوب الشعبية مع تلك المناورات تراوحت بين 15 و30% من السكان فقط.
لكن، ومع التأكيد أن طبيعة إسرائيل العدوانية ثابتة ولا تتغير، فإن المشهد على الطرف الآخر من الحدود قد تغير جذرياً عما كان عليه منذ عقود، بعد تجربة العدوان الفاشل على لبنان في تموز، باتت إسرائيل تتحسب جيداً لأي مغامرة جديدة يمكن أن تقدم عليها في العدوان على لبنان، كما باتت تدرك أن مبدأ "القتال على أرض العدو" لم يعد صالحاً، فالمقاومة تملك من القدرات القتالية والجهوزية لنقل القتال إلى داخل فلسطين المحتلة كما أعلن السيد حسن نصر الله، وصواريخ المقاومة ستطال جميع المنشآت والمدن الإسرائيلية في أي حرب جديدة بناء على سياسة "الأهداف المتكافئة والمتقابلة" التي أعلنتها المقاومة أيضاً.
وهكذا، وفي ظل التهديدات الإسرائيلية الدائمة للبنان، وفي ظل استمرار إسرائيل بسياساتها العدوانية والتي ظهرت مجدداً في محاولتها اغتصاب الحقوق اللبنانية في المياه الإقليمية والاستفادة من الغاز الطبيعي الموجود فيها، تبرز مدى أحقية الطرح الذي يطالب بنزع سلاح المقاومة والذي أمطرنا به نواب الأمة خلال مناقشة البيان الوزاري، وهنا يصح التساؤل: ماذا يمكن للبنان الرسمي أن يفعل الآن في ظل قضم إسرائيل لأرضه لو لم يكن لديه مقاومة أثبتت قدرتها وفعاليتها، وامتلكت من القوة ما يردع إسرائيل أو على الأقل يجعلها تدفع ثمنًا باهظاً جراء أي عدوان على لبنان؟ كيف يمكن للبنان منع إسرائيل من قضم حدوده البحرية في ظل موازين القوى الدولية المسيطرة على الأمم المتحدة وفي ظل ضرب إسرائيل عرض الحائط لكل القرارات والمواثيق والاتفاقيات الدولية؟ هل يكون الحل بالبكاء والنحيب كما فعل السنيورة يوماً؟
الأكيد، أنه بعد تجربة تموز 2006، لم تعد إسرائيل، كما في السابق، تتصور أنها يمكن أن تعتدي على لبنان وتقضم الأراضي وتشن الحروب وتضرب بالقانون الدولي عرض الحائط، من دون مساءلة ولا محاسبة، لم يعد بإمكانها الاتكال على مبدأ "القوة تفرض الشرعية" فقد امتلك لبنان قوة تستطيع أن تحمي حقوقه وتحافظ على سيادته، بعدما تخلى عن النظريات البالية التي نظر لها بعض اللبنانيين، مثل "قوة لبنان في ضعفه"، "الشرعية الدولية تحمي لبنان"وغيرها.
إن فائض القوة الذي راكمته المقاومة منذ عدوان تموز ولغاية الآن، يعد وجهاً من وجوه الدفاع السلبي، يمنع العدو من الهجوم ويمنع الخسارة في الوقت نفسه، من خلال جعل الإسرائيلي يتحسب لردة الفعل اللبنانية قبل أن يقدم على عدوانه أو يقضم الحدود البحرية اللبنانية، إن مجرد وجود المقاومة وقوتها وقدرتها على إلحاق الأذى بكل من تسول له نفسه الاعتداء على لبنان، يقوض أي مناخ استثماري في المنطقة المقابلة للشاطئ اللبناني، ويجعل شركات التنقيب عن النفط في مياهنا وأرضنا هدف لأعمال مقاومة مشروعة، وهي مغامرة لن يقدم عليها المستثمرون بالطبع، وهذا نوع من الردع للإسرائيليين يمنعهم من المغامرة بالتنقيب في أرضنا.
لذا، إن الحديث اليوم عن سحب سلاح المقاومة والقول بأن المقاومة أدت مهمتها ولا بد من انخراطها بالدولة هو في غير محله بتاتاً، بل يعد ضربًا من الجنون، ففي وقت لا تملك فيه الدولة القدرة على الدفاع، إضافة إلى عدم قدرة الأمم المتحدة على الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي المتبقية، ولكف عدوانها المستمر والمتكرر على لبنان وآخرها محاولة الاعتداء على المياه الإقليمية، تبقى المقاومة ضرورة وطنية لبنانية للاستمرار بالمطالبة بالحقوق، ولحماية الانجازات السابقة، ولحماية أرض لبنان وسيادته وشعبه ونفطه.
* أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق