2011/11/16

خديعة النسبية في قانون الانتخاب

لا ديمقراطية بدون انتخابات حرة وشفافة ونزيهة تعبّر تعبيراً صحيحاً عن تطلعات الشعب وتوجهاته السياسية، ومن مهمة قانون الانتخاب، وهو حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي، أن يؤمن قدرة للمواطن على المساءلة والمحاسبة، ولا يسمح للنائب باعتباره زبوناً في سوق سياسي مباح فيه كل شيء - بما فيه الضمير - للبيع والشراء.
وتطرح على بساط البحث اليوم مشروع قانون الانتخاب اللبناني، تمهيداً للانتخابات النيابية التي ستجري عام 2013، وتحاول الأحزاب والكتل طرح مشروع قانون الانتخاب مبكراً من أجل التخلص من "عرف" لبناني قديم، يقوم على إقرار قانون الانتخاب عشية الانتخابات مباشرة، و"استثنائيا ولمرة واحدة فقط".
وقد طرحت بعض الأحزاب اعتماد مبدأ التمثيل النسبي، كنظام يؤمن صحة التمثيل وعدالته ويمنع تهميش الفئات اللبنانية المختلفة، وبالرغم، من اعتقادي الشخصي أن النظام النسبي هو الأمثل للبنان لأسباب عديدة لا مجال لذكرها الآن، إلا أن الشك يساورنا في إمكانية تحقيق هذه الأهداف المرجوة من أي قانون انتخابي، سواء كان أكثرياً أم نسبياً، خصوصاً بعدما وصلت الأحزاب والطبقة السياسية اللبنانية بمجملها إلى "أزمة مصداقية" هائلة تحتاج إلى عقود وأجيال عديدة قادمة للتخلص منها، فهم يقولون ما لا يضمرون، ويفعلون بعكس ما يقولون.
وإذا درسنا طبيعة وبنية الأحزاب اللبنانية، نجد أن الأحزاب العلمانية لا تختلف عن الطائفية بشيء، والأحزاب المطالبة بالنظام النسبي لا تختلف عن تلك المطالبة بالأكثري، والأحزاب المنخرطة في محور المقاومة لا تختلف في بنيتها وثقافتها السياسية وتصرفاتها عن تلك المنخرطة في المشروع المقابل.
صفات مشتركة، وثقافة سياسية واحدة تتعدد شعاراتها وألوانها والجوهر واحد:
أولاً: إذا أردنا أن نقيّم الخطاب الذي يدعو إلى نظام انتخابي نسبي بذريعة أنه الأكثر عدالة وصحة للتمثيل، فإن الأحزاب المطالبة به بغالبيتها العظمى تعتمد نظاماً انتخابياً داخلياً أكثرياً، ما يعني أن هناك ازدواجية واضحة في نظرة الأحزاب إلى النظام الانتخابي الأمثل، وكيف توفق تلك الأحزاب بين اعتمادها النظام الأكثري داخلياً، ومطالبتها بالنظام النسبي على صعيد الوطن؟
ثانياً: سيادة الفكر الإلغائي: لا شك أن الأحزاب اللبنانية هي مرآة للمجتمع اللبناني بشكل خاص والعربي بشكل عام، الذي يسوده الفكر الإلغائي، فالأحزاب اللبنانية ما انفكت تقوم بالممارسات الإلغائية، مع "الآخر" في الوطن وفي الداخل الحزبي.
لطالما حاولت الأحزاب اللبنانية "إلغاء" مناوئيها السياسيين وخصومها من الأحزاب الأخرى، وليس أدل على ذلك إلا أن تلك الأحزاب بمعظمها مارست الاغتيالات السياسية في وقت من الأوقات وافتخرت بقيامها بذلك، كما مارست الاقتتال والاحتراب الداخلي، الذي شهد حرب الكل ضد الكل.
وتؤكد الممارسة السياسية التي شهدناها خلال فترة ما بعد الحرب، وخصوصاً بعد خروج السوريين من لبنان، أن الفكر الإلغائي والإقصائي لم يزل من فكر الأحزاب وقادتها، بدليل أن معظمها حاول الاستعانة بالخارج لسحق خصومه الداخليين، أو من أجل "إلغاء" الآخر في الوطن واجتثاثه.
أما داخلياً بين المحازبين، فحدث ولا حرج، فسطوة الفكر الإلغائي تنتشر كالأخطبوط داخل الأحزاب، عمودياً وأفقياً، على سبيل المثال لا الحصر، نجد أن كل محازب يرتقي بسلم المسؤولية ليصل إلى موقع قيادي، يعتمد مبدأ الإلغاء المزدوج فيقوم بمحاربة وتشويه سمعة من سبقه في المركز، ومحاولة إقصاء كل من تسوّل له نفسه "الطموح" للترقي والوصول إلى مركز قيادي في الحزب وأحياناً حتى لو يكن ينافسه على منصبه نفسه، وتصبح محاولة القضاء على ذلك "العدو" الداخلي أهم بكثير وأكثر إلحاحاً من "الخصم" الخارجي من الأحزاب الأخرى.
ثالثاً: التهميش الشامل: يطالب ممثلو الأحزاب والكتل النيابية بنظام انتخابي نسبي، من أجل ما يقولون إنه إزالة التهميش الذي تعانيه فئات من اللبنانيين، ونحن هنا سنشير إلى فئتين تعانيان من تهميش أكيد داخل الأحزاب السياسية اللبنانية وهما المرأة والشباب، هذا ناهيك عن فئات عديدة أخرى تتعرض للتهميش، بحيث نرى أن هناك فئة أقلوية تسيطر على مقدرات الحزب وقراراته وتلغي صوت الأكثرية.
بالنسبة للمرأة والتي تمثّل ما يربو على خمسين في المئة من المجتمع اللبناني، يعيش معظم الأحزاب السياسية اليوم تكاذباً حقيقياً بين ما يعلنونه وما يؤمنون به، أو ما يطبقونه، فلا نجد أن الأحزاب السياسية وحتى تلك التي تطالب بعدالة التمثيل من خلال النظام النسبي، على سبيل المثال لا الحصر، أن في هيكلياتها القيادية نساء، وإن وجدن فبطريقة شكلية كديكور لتجميل صورة أحزابهن، لا بل إن الأبسط من ذلك لا يتحقق، فلا نجد على سبيل المثال أن رؤساء الأحزاب أو الكتل ينتدبون امرأة لتمثيلهم في المناسبات الاجتماعية أو السياسية.
وكما النساء يتم استخدام الشباب اللبناني المنخرط في الأحزاب، أدوات للتجييش والمظاهرات، أو في تأمين الحشد الكمي لخطاب الزعيم أو مهرجان سياسي يعقده الحزب، أما الأدوار القيادية، فتحفظ للشيب والكهول الذين قدموا وأعطوا أفضل ما عندهم لنصل إلى الحال الذي وصل إليه الوطن اليوم.
رابعاً: يتحدث الأحزاب عن تداول للسلطة يريدون من النظام الانتخابي أن يحققه، ولكن الأحزاب اللبنانية لا تشهد تداولاً داخلياً حقيقياً للسلطة داخلها، وحتى الأحزاب التي تدّعي عدم الوراثة السياسية، تحولت إلى أحزاب داخل الأحزاب، وتعرضت لانشقاقات كثيرة بسبب فقدان الحس الديمقراطي لدى محازبيها وقيادييها، ما يجعل تداول السلطة أمراً يبدو وكأنه خسارة شخصية للشخص القابض على ناصية القرار الحزبي منذ عقود، فيعرقله أو ينشق عن الحزب ويؤسس حزباً جديداً.
في النهاية، نحن نؤمن أن المدخل الصحيح لبناء مجتمع قادر على تطوير نفسه وتحقيق مواطنيته التامة، هو نظام انتخابي عادل، يجعل الإنسان مواطناً، له قيمة في ميزان السياسة بغض النظر عن دينه أو طائفته ومذهبه، ونظام التمثيل النسبي قد يكون الأمثل والأصلح لهذا الأمر، ولكن أي أمل يُرجى بديمقراطية ننشدها من أحزاب غير ديمقراطية بجوهرها ومضمونها وأفعالها، وأي عدالة ترتجى من أحزاب فقدت كل معايير العدالة والإنصاف. باختصار: "فاقد الشيء لا يعطيه"، وأي نظام انتخابي ينبثق من هذه الطبقة السياسية الحالية، مهما كان نوعه، لا يعوّل عليه للتغيير والسير بلبنان إلى دولة عادلة قوية عصرية.
ليلى نقولا الرحباني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق