2011/11/24

التهويل بالحرب الأهلية.. هل ينجح في سورية؟

تصاعدت التصريحات المختلفة التي تتنبأ باحتمال نشوب حرب أهلية في سورية، وكان الأميركيون قد دعوا المعارضة السورية إلى عدم التخلي عن السلاح استجابة للدعوة التي وجهها لهم النظام السوري للحصول على العفو.
وتُظهر هذه التصريحات أن محور الغرب - تركيا - عرب "الغرب"، قد انتقل إلى الخطة "ب" في التعامل مع سورية، وذلك بعدما أيقن بالدليل القاطع أن إسقاط النظام السوري سواء من الداخل بعملية انقلابية أم ثورة شعبية، أم من الخارج بتدخل عسكري شبيه بالحالة العراقية أم الليبية هو أمر صعب ومكلف للغاية وغير قابل للتحقيق، فتحولوا إلى الخطة البديلة، وهي إشعال فتنة مذهبية وحرب داخلية في سورية. فما هي احتمالات نجاح تلك الخطة البديلة في إسقاط سورية وتحقيق أهداف المشروع الأميركي في المنطقة؟
إن الحرب الأهلية الذي يريد الغرب وبعض العرب والأتراك إشعالها في سورية، لن تكون مهمة سهلة وقد تستعصي على المخطِّط، كما استعصت سابقاً عليه خطط إسقاط نظام الأسد بالقوة أو بالشارع، وذلك لأسباب عدة داخلية وخارجية أهمها:
أولاً: على الصعيد الداخلي، إن الحرب الأهلية تحتاج إلى مقومات قوة لاشتعالها، ونفندها بما يلي:
1-    المعارضون للنظام: وهؤلاء يُعتبرون العصب الأساسي لإشعال الفتنة المرجوة، لكن حجم هؤلاء يبين أنهم نسبة ضئيلة من الشعب السوري، كما يظهر من مقارنة المظاهرات التي خرجت معارضة ومؤيدة للنظام، وحتى ضمن هذه النسبة الضئيلة هناك أقلية قليلة جداً من المعارضين التي تقبل بأن تمتشق السلاح لإثارة الفتن المذهبية وتدمير الدولة وتحقيق الحلم الإسرائيلي بتفتيت سورية إلى أربع دويلات طائفية متناحرة.
2-   الجماعات الإرهابية في سورية، والتي يعتمد عليها لتكون الذراع الأساسي لزرع الفتنة الطائفية من خلال تفجير المراكز الدينية وقتل الأبرياء والتنكيل بهم مما يثير الغرائز الطائفية والنعرات المذهبية، قد تقلصت قوتها وباتت محصورة يضيق عليها الخناق في منطقة محددة في وسط سورية.
3-   الجيش السوري، وقد أعلنت كلينتون أن العمل المسلح والحرب الداخلية سيقوم بها المنشقون عن الجيش، لكن الأميركيين أنفسهم وعلى لسان سفيرهم في دمشق وخلال جلسة استماع أمام الكونغرس اعترفوا بتماسك الجيش السوري وانضباطه والتزامه بأوامر السلطة السياسية بقيادة الأسد.
4-   السلطة السياسية ومؤسساتها، وتبدو مستقرة ومتماسكة بشكل كبير، ولا يمكن لأحد أن يصدق أن الدبلوماسيين والسياسيين وأعضاء مجلس الشعب السوري ووزراءه لم يتعرضوا - لغاية الآن- لشتى أنواع الترهيب والترغيب للانشقاق عن السلطة كما حصل في ليبيا، وبالتالي فهم صمدوا وأبقوا على تماسك النظام والدولة.
وهكذا إذاً نجد أن المقومات الداخلية للحرب الأهلية غير متوافرة العناصر بشكل تام، ويبقى أن بإمكان المتمردين والإرهابيين أن يخلقوا نوعاً من عدم الاستقرار الأمني، ولكن لن يصل إلى مرحلة الحرب الأهلية التامة.
ثانياً: على الصعيد الإقليمي، مما لا شك فيه  أن الحرب الأهلية "الموعودة" في سورية، ستكون بالضرورة حرباً طائفية ومذهبية، وقد يكون ذلك من خلال توظيف بعض المجموعات الأصولية لشن عمليات إرهابية وضرب مراكز دينية في سورية، تؤدي إلى حراك طائفي يعقد الأمور، ويدفع سورية إلى حرب الكل ضد الكل شبيهة بالحرب اللبنانية، ومن هنا يمكن فهم الرسالة التي وجهها حزب العمال الكردستاني إلى أكراد سورية بالتسلح والبقاء على الحياد في الوقت الراهن، ونفهمها في وجهين: أما الحفاظ على الذات في ظل حرب طائفية قد تعمد خلالها تركيا إلى تحفيز مجموعاتها ووكلائها إلى التنكيل بالأكراد السوريين، أو التحسب لحماية النفس في ظل ما يُحكى عن احتمالات تدخل عسكري تركي بقرار من مجلس الأمن بذريعة حماية المدنيين السوريين.
وهكذا، يبدو أيضاً خيار الحرب الأهلية في سورية وانفلات الوضع إلى الفوضى الأمنية الشاملة وانفلات الحدود، مكلفاً وكارثياً على المنطقة، ولن تكون بمنأى عنه الدول المجاورة ومنطقة الشرق الأوسط ككل، وخصوصاً إسرائيل، وقد تكون تبعاته أخطر بكثير من تداعيات خيار التدخل العسكري المباشر الذي يتردد الغرب وتركيا في اعتماده لغاية الآن لتكاليفه الباهظة.
ثالثاً: إن الحديث عن حرب أهلية في الداخل السوري، يعكس اليأس الذي أصاب الهادفين إلى "تدخل عسكري إنساني" في سورية لإسقاط الأسد، فمن المعلوم من خلال دراسة تجارب مجلس الأمن التدخلية "الإنسانية" خلال التسعينات، أنه في حال كان هناك توافق بين جميع الأعضاء على مبدأ التدخل بشكل عام، فإن تشريع التدخل لكي يحصل يجب أن يكون هناك اتفاق بين أعضاء مجلس الأمن على القصة السببية للنزاع، وأن يكون هناك ضحايا محددون، وواضح من هي الجهة التي تقوم بانتهاكات حقوق الإنسان وأعمال الجرائم، (راجع في هذا الشأن كتابنا "التدخل الدولي") ففي الحرب الأهلية يشترك الجميع في أنواع القتل والخطف، ولا يعود شعار "حماية المدنيين" من بطش نظام قاتل مناسباً للادعاء به، مما يعقد آليات تفويض التدخل العسكري في مجلس الأمن، بالإضافة إلى مواقف مجموعة "البريكس" التي باتت معروفة.
إذاً، بعدما بات التدخل العسكري الخارجي خياراً بعيداً، لجأ مخططو مشروع إسقاط النظام في سورية إلى تغيير الخطة ومحاولة اللجوء إلى  خيار الحرب الأهلية، علّهم يحققون ما عجزوا عن تحقيقه لغاية الآن. ويبقى الأمل بأن تحصل "تسوية تاريخية" في سورية تحقن دماء السوريين وتحافظ على دولتهم، فسورية الآن في عين النار الدولية، يتجاذبها الصراع بين محورين على أبواب انسحاب أميركي من العراق وتغيير في موازين القوى الإقليمية لصالح الحلف المواجه لأميركا ولن يخلصها إلا تنازل للوطن تقوم به جميع الأطراف السورية المخلصة وغير المرتهنة للخارج.
ليلى نقولا الرحباني
استاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق