2014/06/04

أوراق بوتين الاستراتيجية إلى "النورماندي"

د. ليلى نقولا الرحباني - الثبات

يلتقي الرئيس فلاديمير بوتين وبعض قادة الدول الأوروبية، كهولاند وكاميرون، آخر هذا الأسبوع في فرنسا خلال المشاركة في الاحتفالات بالذكرى السبعين لإنزال النورماندي، وقد يكون هذا اللقاء مناسبة لطرح وجهات النظر بعد الأزمات المستفحلة بين روسيا والغرب على خلفية الأزمتيْن السورية والأوكرانية.

ويأتي بوتين إلى فرنسا متأبّطاً العديد من الملفات الحيوية الهامة التي يمكن أن يواجه بها خصومه خلال المحادثات، بعد أن كان الأوروبيون ومعهم الولايات المتحدة الأميركية قد اعتقدوا خطأ أن باستطاعتهم إحراج الرئيس الروسي والضغط عليه، متوهمين أن روسيا - بوتين تماثل روسيا - يالتسين، حيث قام الغرب بتطويق روسيا اقتصادياً؛ بإنهاك اقتصادها، وجغرافياً؛ باستدراج دول أوروبا الشرقية السابقة للدخول إلى الاتحاد الأوروبي، واستراتيجياً؛ بتفتيت يوغسلافيا وتأجيج الثورات الملوّنة في الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي.

وبالرغم من أن الغرب نجح إلى حد ما في سياساته السابقة، وبالرغم من أن الرئيس فلاديمير بوتين كان قد اختار التعاون مع شركائه الأوروبيين والأميركيين، إلا أنه منذ القضية الليبية واحتيال الغرب لأخذ موافقة الروس على قرار مجلس الأمن، ثم الإطاحة بمعمر القذافي والمسّ بالمصالح الروسية في شمال إفريقيا، ثم هرولة الغرب إلى محاولة الإطاحة بالنفوذ الروسي في كل من الشرق الأوسط والبلقان، فُرض على بوتين السير بسياسة هجومية - دفاعية عن مصالح روسيا الاستراتيجية في العالم، مدركاً أن ما فرضه عليه أسلافه ليس قدَراً، وأن روسيا ما زالت تملك الكثير من الأوراق الاستراتيجية القادرة على لعبها، ومن هذه الأوراق ما برز خلال الأسبوعين المنصرمين كردٍّ على العقوبات الأوروبية المفروضة على الروس، وهي ما يلي:

- ضم القرم، وما تلاها من عدم استقرار في أوكرانيا، بالإضافة إلى التهديد الروسي بقطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا، وبالتالي عن أوروبا، التي تعيش قلقاً غير مسبوق نتيجة الأزمة، إذ من المفترض أن يتم ملء خزانات الغاز في أوكرانيا في حزيران وتموز وآب لكي يستطيع الأوروبيون أن يتحضّروا لموسم الشتاء المقبل، علماً أن ضمّ القرم، وبروز روسيا كأسد كاسر يؤدّب كل من يحاول المس بأمنه وأمن مواطنيه، هو ما دفع الرئيس الأميركي إلى محاولة طمأنة حلفائه الأوروبيين، وتأكيده في وارسو أن الالتزام الأميركي بأمن بولندا وأمن حلفائه في أوروبا الوسطى والشرقية يشكّل حجر زاوية لأمن الولايات المتحدة، وهو ثابت لا يُمسّ.

- وضع خطوط حمر صارمة في سورية، وفرضها على الأميركيين، وهو ما ظهر من خلال خطاب الرئيس باراك أوباما في أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية.

- توقيع روسيا والصين اتفاقاً تبلغ قيمته 400 مليار دولار على مدى ثلاثين عاماً، تمد روسيا بموجبه الصين بالغاز اعتباراً من عام 2018، على أن يرتفع حجم الشحنات تدريجياً ليبلغ 38 مليار متر مكعب سنوياً، وفي هذا الاتفاق التاريخي فوائد اقتصادية هامة للبلدين، يرفع تعاونهما الاقتصادي، بعد أن كان التحالف السياسي قد فرض نفسه منذ بداية الأزمة السورية خصوصاً، حيث بدا أن البلدين يتكلمان "لغة واحدة"، بالإضافة إلى التقارير التي ذكرت الصين وروسيا بصدد إبرام صفقات تسليح جديدة، إذ تنوي وزارة الدفاع الصينية شراء عدد كبير من مقاتلات "سو-35"، ومنظومات "أس-400" للدفاع الجوي، وصواريخ جوّالة مضادة للسفن، من الروس.

- توقيع الروس مع بيلاروسيا وكازاخستان اتفاقية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، على أن يُفتح الباب لانضمام أرمينيا وقرغيزيا في المستقبل القريب، ويُعدّ هذا الاتحاد المُنشئ حديثاً أكبر سوق موحّدة في منطقة رابطة الدول المستقلة، التي تملك إمكانات صناعية وعلمية وتكنولوجية ضخمة، وموارد طبيعية هائلة. وبموجب الاتفاقية تلتزم دول الاتحاد الجديد ضمان حرية البضائع والخدمات ورأس المال والقوة العاملة في حدود الاتحاد، وأن تعمل على تنسيق سياساتها في القطاعات الحيوية للاقتصاد، مثل الطاقة والصناعة والزراعة والنقل.

إذاً، يذهب بوتين إلى النورماندي متأبِّطاً أوراقاً استراتيجية هامة، منها الجديد ومنها القديم، في المقابل، يتأبّط الأوروبيون أوراق الفشل في سياستهم الشرق أوسطية، ودخول ليبيا في أتون حرب قاتلة، وقلقهم من تفشي الإرهاب في أوروبا وانقطاع الغاز، في ظل أزمة اقتصادية خانقة وانعدام البدائل، والأهم قلق من عودة الإرهابيين الذين تمّ تصديرهم إلى أوروبا، ولهم في مثال حادثة المتحف اليهودي في بروكسل عبرة هامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق