2014/06/08

النظام السوري ليس جمعية خيرية

د. ليلى نقولا الرحباني

تشهد مناطق عدّة في العالم انتخابات إما رئاسية أو عامّة، وخاصة تلك المناطق الملتهبة التي تعيش اقتتالاً أو أزمات داخلية أو ارهابًا مجنونًا. من أفغانستان التي لم تعرف الاستقرار منذ دخول الناتو اليها لطرد طالبان وإقامة الديمقراطية فيها بدل شريعة القاعدة، الى العراق الذي يشهد ارهابًا غير مسبوق تغذيه دول اقليمية وعالمية، الى مصر التي استطاعت أن تطرد رئيسين في أقل من سنتين، الى اوكرانيا التي تعيش حربًا أهلية حقيقية في أقاليم واسعة من الشرق الاوكراني، وصولاً الى سوريا ولبنان، حيث شهدت سوريا انتخابات رئاسية بينما يعيش لبنان الفراغ الرئاسي بانتظار التوافق الاقليمي.
وفي خضّم هذا المشهد الانتخابي المتنقل بين دول غير مستقرة، يمكن إبداء ملاحظات عدّة على المعايير المتبدلة في مسارات الدول الغربية، المنادية بالحرية والديمقراطية:
- في وقت تعيب فيه المعارضة السورية وداعموها على السوريين اجراء انتخابات في ظل اقتتال وتهجير وعدم قدرة العديد من المناطق السورية على التصويت، يبارك الغرب الانتخابات في اوكرانيا التي تعيش حربًا أهلية، وعدم قدرة العديد من المناطق في الشرق الاوكراني على الانتخاب. علمًا أن الدولة السورية تقول أن المناطق التي يسيطر عليها الارهابيين بشكل كامل، قد نزح اهلها أما الى الداخل السوري الآمن، أو الى دول الجوار، وعليه، يمكن للنازحين السوريين من كل المناطق التصويت في الداخل السوري أو في لبنان أو في الاردن، بينما عدم تمكّن الناخبين السوريين المتواجدين في تركيا من التصويت، مرده الى الدولة التركية وليس الى عدم رغبة الدولة السورية في منحهم حق الاقتراع.
- بالرغم من كل الارهاب المتفشي في افغانستان، والتهديد باستهداف المدنيين الذاهبين الى الانتخابات من قبل القاعدة، رحب الأميركيون والغربيون بالانتخابات الرئاسية التي جرت على وقع المخاوف الأمنية، والتي ستشهد دورة ثانية في منتصف الشهر الجاري، ولم يطالبوا - كما فعلوا في موضوع الانتخابات السورية- بتأجيل الانتخابات سنة أو سنتين، لأنهم ببساطة يريدون التخلص من الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الذي يرفض توقيع الاتفاقيات الأمنية التي تمس بسيادة أفغانستان، مطالبًا بتعديل بعض بنودها ومنها ما يعطي الحصانة للجنود الأميركيين من الملاحقة القانونية ، ومنها ما يسمح لمن تبقى من الجنود بعد الانسحاب، بالتحرك لمقاتلة الارهابيين، بدون العودة الى الدولة الأفغانية.
- ظهر جليًا من خلال المواقف العربية المنددة بالانتخابات السورية، والمرحبة بالانتخابات المصرية التي أوصلت المشير عبد الفتاح السيسي الى الحكم، الى أن تلك الدول التي لطالما عُرفت باسم محور الاعتدال، تعيد انتاج محورها، وتهدف الى إعادة إحياء دور مصر كدولة رائدة في موازين القوى الإقليمية بقرار وبدعم عربي. علمًا أن محور الاعتدال السابق الذي كان يدفع نحو السلام مع اسرائيل في مقابل محور المقاومة الذي كان يريد إعادة الأرض العربية مقابل السلام، عاد بعد الحرب في سوريا الى انتاج محورين، مع فارق جوهري وأكيد، هو أن المحور المقاوم الذي كان يمانع في اعطاء اسرائيل سلامًا مجانيًا، قد دخل الآن في قيادة حرب عالمية على الإرهاب، أدخله فيها الغرب وبعض العرب، فكان على قدر المواجهة.
في النتيجة، وبالرغم من اعلان الدول الداعمة للمعارضة السورية، عن عدم اعترافها بالانتخابات السورية التي سمحت بتكريس الاسد رئيسًا لسبع سنوات قادمة، وبالرغم من الرد الأميركي على تلك الانتخابات باعلان سوزان رايس أن الولايات المتحدة ستقدم أسلحة "فتاكة" للمعارضة السورية "المعتدلة"، لكن الأكيد أن ما اعلنه الرئيس الأميركي باراك اوباما في خطابه الشهير في أكاديمية "وست بوينت" العسكرية، من أن الدعم والاسلحة التي تقدم للمعارضة السورية سيكون لمقاتلة الارهابيين وليس الجيش السوري، الذي بات حاجة لجميع الأمم لمقاتلة الارهاب المتنقل، والذي يُخشى من أن يشكّل جسرًا جويًا معاكسًا الى مواطنه الأصلية في اوروبا وأميركا، بعد أن عمدت تلك الدول الى تشكيل جسور جوية لإرساله الى سوريا.
وهكذا إذًا، لن تمر سوى أيام حتى تتناسى الدول الغربية حديث الانتخابات السورية، في اعتراف ضمني بنتائجها، ولن تمر سوى أسابيع أو شهور حتى يقتنع الغرب بأن التنسيق مع الجيش السوري أفعل وأضمن من دعم معارضة "متآكلة" لمحاربة الارهاب، وأنه بحاجة للتنسيق الأمني والاستخباري معه. ولكن الأكيد أيضًا، أن النظام السوري لم ولن يكون في أي يوم من الأيام جمعية خيرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق