2018/03/28

التدخل التركي في سورية في القانون الدولي


د. ليلى نقولا
توغَّل الأتراك عسكرياً في عفرين، وبات الجيش التركي يسيطر سيطرة مباشرة على مناطق سوريّة تمتد من حدود منبج شرقاً وتتوسع لتشمل كل المناطق التي سيطر عليها الأتراك بموجب عملية "درع الفرات"، بالإضافة إلى عفرين والمناطق التي سيطر عليها الأتراك في إدلب بموجب اتفاق مناطق خفض التوتر في استانة.

الدولة السورية طالبت بالانسحاب الفوري وغير المشروط لما سمّته "قوات الاحتلال التركي من الأراضي السورية"، وطالبت المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته، علماً أن الأتراك كانوا قد تذرّعوا بمكافحة الإرهاب والدفاع عن النفس لقوننة ما يقومون به من توغّل عسكري في الأراضي السورية.. فكيف يمكن تقييم التدخُّل التركي في الأراضي السورية من منظار القانون الدولي؟

يُعتبر مبدأ "عدم التدخل" من المبادئ الناظمة للعلاقات الدولية، والذي ينطلق من مبدأ احترام سيادة الدولة، وعدم التدخُّل في شؤونها الداخلية، كما عدم جواز استعمال القوة في علاقات الدول بين بعضها البعض.

ومع إنشاء الأمم المتحدة، كان الاتجاه السائد لدى فقهاء القانون الدولي أن مبدأ "عدم التدخُّل" هو مبدأ ملزم للدول، لكنهم أقرّوا في الوقت نفسه أن تطبيق قاعدة عدم التدخل تطبيقاً مطلقاً سيؤدي إلى التعسُّف في استعمال حق الاستقلال على نحو قد يجعل بعض الدول تخالف القانون، بحجة استقلالية قراراتها، فكان لا بد من إجازة التدخُّل في بعض الحالات الاستثنائية، كضرورة قانونية.

وعلى الأرض السورية اليوم، تختلف ذرائع التدخُّل الأميركي والروسي عن التدخل التركي في سورية، ويمكن القول إن الذرائع التي يسوقها الأتراك لتبرير تدخلهم العسكري في أراضي دولة سيّدة تبدو هشّة.

1-   بالنسبة للأميركيين والتحالف الدولي، تندرج تبريرات التدخل العسكري الذي يقوم به التحالف الدولي في الأراضي السورية من قرارات مجلس الأمن التي تُعني بمكافحة الإرهاب بكافة السبل المتاحة، خصوصاً القرارات المتعلّقة بتنظيمي "داعش" و"النصرة" في سورية والعراق، وعليه فإن الحملة العسكرية التي يشنّها التحالف الدولي في سورية تجد مبرراتها القانونية في إطار "الشرعية الدولية"، تحت ستار "مكافحة الإرهاب".

2-   أما بالنسبة لتدخُّل كل من إيران وروسيا، فالتدخُّل يأتي في سياق أحد أبرز استثناءات مبدأ عدم الدخل وهو "التدخُّل بناء لطلب السلطات المحلية".

ويمكن رؤية هذه المسألة من خلال حالات عدة:

الأولى: إذا كانت الحكومة طالبة التدخل، تمارس صلاحياتها كحكومة شرعية وفق القواعد الدستورية للدولة، فالتدخل في هذه الحالة هو "عمل شرعي" جاء بناء لطلب الحكومة الشرعية.

الثانية: هي تدخُّل دولة إلى جانب دولة ثانية بموجب معاهدة دفاع مشترك، على سبيل المثال، تنص على حق الدفاع الجماعي عن النفس، وهو حق تكفله المواثيق الدولية وميثاق الأمم المتحدة.

الثالثة: حالة الحرب الأهلية: لقد دافعت الدول دائماً عن حقّها في التدخل لمساعدة سلطات صديقة خلال حرب أهلية ما، واعتمدت في هذا القول على أن الحكومات تمثّل الدول السيدة، وبالتالي من حق الحكومة أن تستدعي قوات أجنبية إلى داخل أراضيها، لمساعدتها في إشاعة الاستقرار، مهما كان تأثير هذا التدخُّل على الوضع السياسي المستقبلي للدولة.

3-   ونأتي إلى التدخُّل التركي لنناقش مبدأ الدفاع عن النفس الذي تعتمده تركيا لتبرير تدخُّلها، وأحيانًا تتذرع بمبدأ "مكافحة الإرهاب":

أولاً: إن العناصر الكردية التي تتهمها تركيا بالإرهاب، هي ليست على لائحة الإرهاب الدولية، ولم يصنّفها مجلس الأمن كمنظمة إرهابية كما هو الحال مع "داعش" و"النصرة"، لذا فإن محاولة تركيا قوننة تدخُّلها بغطاء مكافحة الإرهاب يبدو أنه غير مناسب كحجة قانونية للتدخُّل العسكري في سورية.

أما مبدأ الدفاع عن النفس، والذي يكفله القانون الدولي، وتكفله المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، فلا ينطبق على الوضع الكردي في عفرين، إذ لم يشكّل الأكراد السوريون في تلك المنطقة أي تهديد جدي وحقيقي لتركيا، والمفارقة أن أردوغان يجد تهديداً للأمن القومي التركي في الأكراد الموجودين في غرب الفرات، بينما المساحات الشاسعة  التي يسيطر عليها الأكراد والواقعة شرق الفرات، والمحاذية للحدود التركية، لا يجد فيها أردوغان أي تهديد، وهذا إن دلّ على شيء، فيدل على انتفاء قانونية التبرير التركي حول شرعية الدفاع عن النفس في الأراضي السورية.

في النتيجة، لقد استطاع أردوغان اللعب على وتر المصالح الروسية والأوروبية مع تركيا، لغضّ النظر عن تدخُّله العسكري غير القانوني في سورية، والأسئلة الجوهرية المطروحة اليوم: كيف ستتعامل الدولة السورية مع هذا الواقع ضمن أراضيها؟ وكيف ستعيد وحدة الأراضي السورية ضمن سيادتها؟ يبدو هذا هو التحدي الحقيقي لمرحلة ما بعد الانتهاء من البؤر الجغرافية الخارجة عن سيادة الدولة في الداخل السوري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق