2018/03/07

المشروع الكردي والمشروع التركي: أيهما أخطر على سوريا؟


نُشر بتاريخ 7 آذار 2018 على موقع الميادين

تضج منطقة الشمال والشرق السوري بأزمات التاريخ والجغرافيا، والتي غالبًا ما تتحول الى لعنات تتسبب بالمزيد من الدمار والقتل واستجلاب التدخل الخارجي والطمع بالأراضي السورية تحت مسميات عدّة.
المراقب للأوضاع في الشمال السوري، يلفته مشروعان يهددان وحدة اقليم الدولة السورية وسيادتها، وهما المشروع الكردي المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية، والمشروع التركي الذي يستخدم الذرائع المتعددة للتوغل عسكريًا في الأراضي السورية، ومن المهم لفت النظر الى أن كلاً من المشروعين، يعتمد على اسنادات تاريخية للقول بأحقية المشروع في قضم الأراضي السورية لتنفيذ مشروعه فيها.
- المشروع الأول أي المشروع الكردي الانفصالي، ويستند بشكل أساسي على دعم عسكري من القوات الأميركية التي زادت قواعدها العسكرية الى 20 قاعدة، بحسب ما أعلن الروس مؤخرًا. ويعلن الكرد أن لهم الحق بالسيطرة على تلك المناطق باعتبارها جزءًا من كردستان التاريخية، وحيث أنهم منذ مئة عام فقط كانوا على وشك تحقيق حلم تأسيس الدولة، لولا تغيّر المعادلات الدولية.
ومن المفيد ذكره هنا، أن لا صحة لهده هذا الإدعاءات، فالأراضي السورية لم تكن يومًا جزءًا من كردستان التاريخية، فاتفاقية سيفر لعام 1920 ( وبحسب الخرائط المنشورة)، والتي يستند اليها الأكراد باعتبارها أول وثيقة دولية تثبت حقهم في تقرير مصيرهم ضمن دولة مستقلة، لا تضم لا من قريب ولا من بعيد أي منطقة سورية، وذلك يعود الى أن النزوح الكردي إلى سوريا لم يتم إلا بعد المذابح التي تعرضوا لها من "الحركة الكمالية" في تركيا بعد ثورتهم في العام 1925، ما يعني أن الظاهرة الكردية في سورية لم تكن يوماً جزءاً من حركة قومية كردية تاريخية عمرها مئات السنين.
- أما المشروع الثاني فهو المشروع التركي التوسعي، والذي يستند فيه الأتراك أيضًا الى ادعاءات تاريخية، حيث يذكّر أردوغان بشكل دائم أنه لن يقبل باستمرار مفاعيل "معاهدة لوزان" 1923، والتي - بحسب زعمه- أخذت من تركيا جزءًا من أراضيها، ويشير في هذا الصدد الى أن "مساحة تركيا كانت في العام 1914، مليونين ونصف مليون كيلومتر مربع، بينما تراجعت في العام  1923 (بعد الاتفاقية)، إلى 780 ألف كيلومتر مربع".
والجدير بالملاحظة هنا، أن أردوغان يشير الى "الميثاق الملّي" التركي، الذي تمّ توقيعه عام 1920 من قبل مجلس المبعوثين العثماني، والذي يضع خريطة تركيا، والتي تضم بالاضافة الى الأراضي التركية الحالية، مناطق في أوروبا (بلغاريا واليونان)، وقبرص، بالاضافة الى مناطق الشمال العراقي وتضم الموصل وكركوك والسليمانية، وتضم مناطق الشمال السوري بكاملها وصولاً الى حلب ودير الزور. وبحسب تصريح أتاتورك عام 1920: "حدودُ أمّتِنا، من جنوبِ خليجِ الإسكندرونة، من أنطاكية، وجنوب جسر جرابلس ومحطّة سكّة الحديد، وجنوب حلب ثم تسير جنوباً مع نهر الفرات حتى تضمّ دير الزور، ثم تتجّه شرقاً لتضمّ الموصل، وكركوك والسليمانية".
انطلاقًا مما سبق، ومن الجغرافيا التي يدّعي كل مشروع أحقيته التاريخية فيها، يبدو أن المشروعين يشكلان خطرًا كبيرًا على الدولة السورية، وأي إدعاء بأن هناك مشروعًا أقل خطورة من الآخر، أو أنه يمكن للسوريين التعايش مع أحد المشروعين، فلا يعدو كونه وصفة لتقسيم سوريا، أو القبول باقتطاع أجزاء حيوية من أراضيها بالقوة.
المفيد بالنسبة للسوريين، أن المشروعين ينفيان بعضهما البعض، أي أن الجغرافيا المتنازع عليها هي جغرافيا واحدة، وهذا يعني حتمية اصطدام المشروعين أو تراجع أحدهما. وإذا أرادت الدولة السورية، بعد تأمين الداخل السوري أن تجري تقييمًا للأخطار التي تتهددها في الشمال السوري، فيمكن الاستناد الى التاريخ أيضًا، فالمعروف بأن الأميركيين لا يثبتون في أرضٍ تتشكل فيها مقاومة محلية شعبية، ولا يفرطون بدماء جنودهم للاستقرار في أرضٍ لا تقبلهم، والتاريخ يشير أيضًأ الى أن التركي لا ينسحب من أرضٍ إلا بهزيمة عسكرية كبرى، وهذا ما تؤكده الشواهد التاريخية للدولة العثمانية التي استمرت باضطهاد العرب ومحاولات التتريك، ولم تنسحب بالرغم من كل المقاومة التي لقيتها، إلا بعد هزيمة الامبراطورية في الحرب العالمية الاولى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق