تتّجه كلٌ من الولايات المتحدة
والصين للدخول في حربٍ تجارية بعد أن أعلنت الصين عن فرض 25% كرسومٍ جمركية على
106 مُنتَجات من السِلع الأميركية كردٍ على فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوم
جمركية على 1300 مُنتَج صيني. ولم يكن الأميركيون يتوقّعون ردّاً قاسياً وسريعاً من
قِبَل الصينيين، بل إن معظم الاقتصاديين المُقرّبين من الرئيس الأميركي كانوا يأملون
بأن تبقى هذه المعركة في إطار التهديدات وألا تدخل تلك الضرائب الجمركية حيّز التنفيذ،
لأنها ستضرّ بالأميركيين بشكلٍ كبير.
لم يكن ما قام به الصينيون مُفاجئاً،
فالتصريحات الرسمية للصينيين تعكس بقوّة تبدّل السلوك الصيني الخارجي في العلاقات الدولية
منذ عام 2011 ولغاية اليوم، فالسلوك الدبلوماسي المواجه للولايات المتحدة الأميركية
والغرب عموماً في مجلس الأمن والذي تجلّى باستخدامِ الفيتو الصيني مراراً في مجلس الأمن،
ينتقل اليوم إلى مجالِ التجارةِ العالمية، حيث يُدرِك الصينيون ألا أحد رابح في تلك
الحرب التي بدأها ترامب، ولكن الصين "مُصمّمة على القِتال حتى النهاية"،
كما صرّح نائب وزير التجارة الصيني.
والواقع، إن السياسة الخارجية
لترامب اليوم، تعكس بدقّةٍ ما كان قد أعلن عنه في استراتيجية الأمن القومي الأميركي،
من أن الصين وروسيا تشكّلان تهديداً للولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي على الولايات
المتحدة أن تقوم باستراتيجية احتواء لكلٍ من البلدين. ويبدو أن تدابير "الاحتواء"
المُتّبعة في سياق الحرب الجديدة بين كلٍ من الأميركيين من جهة والروس والصينيين من
جهة أخرى، تتجلّى في عزلِ كلٍ من روسيا والصين تكنولوجياً ومحاولة فرض عقوبات اقتصادية
تؤدّي إلى منعهما من التطوّر التقني والمَعرفي.
في ما خصّ الصين، لقد حذّر العديد
من الباحثين والسياسيين والأمنيين في الولايات المتحدة من التطوّر الذي تشهده الصين
على الصعيدين العسكري والاقتصادي وبالأخصّ في المجال التكنولوجي، ودعوا الإدارة الأميركية
إلى التنبّه إلى أن الصين، ستصل إلى وقتٍ تتفوّق فيه على الولايات المتحدة تكنولوجياً
وأنها ستطوِّر جيلاً جديداً من الحواسيب والتكنولوجيا الرقميّة والتي ستجعل التقنية
الأميركية المُعتمَدة اليوم، شيئاً من الماضي.
ويستشعر الأميركيون المخاطر
من الاستثمارات الصينية في قطاعات التكنولوجيا الأميركية الجديدة في الداخل الأميركي
أيضاً، والتي يمكن أن تكون لها تداعيات على الأمن القومي الأميركي، حيث باتت تُنافِس
الحكومة الأميركية والجيش الأميركي على الاستثمار والتعاون مع تلك الشركات.
كما حذّرت تقارير مراكز الأبحاث
التابعة للاستخبارات الأميركية في وقتٍ سابقٍ، من أن الصين تطوّر تكنولوجيا الذكاء
الاصطناعي، بحيث ستصل في وقتٍ قريبٍ (بمعدّل 5 سنوات) إلى أن تتفوّق على الولايات المتحدة،
وستصل إلى مرحلةٍ تشكّل تهديداً للتوازن الاقتصادي والعسكري للقوى العالمية.
ويخشى الأميركيون من الاستثمارات
التي يقوم بها الجيش الصيني في مشاريع تكنولوجية بحثيّة مُتعلّقة بتطوير الذكاء الاصطناعي،
سيُبدّل بشكلٍ جوهري طبيعة الحروب المقبلة، بحيث لن يستطيع العنصر البشري مواكبة سرعة
القرارات التي تُديرها الآلة خلال المعارك.
وقد اعتبرت وزارة الدفاع الأميركية
في تقريرٍ لها عام 2017، أن الاستثمار الصيني في التكنولوجيا سيقوّض جهد الجيش الأميركي
لضمان استمرار التفوّق النوعي على المُنافسين المُحتمَلين، ومنهم الصين. وأضاف التقرير
إن الاستثمارات الصينية المُكثّفة في التقنيات الحسّاسة، مثل أنظمة التوجيه، الذكاء
الاصطناعي، وأجهزة استشعار الضوء التي تساعد أنظمة الطيران من دون طيّار، يمكن أن تؤدّي
إلى تآكل أو حتى القضاء على تلك الميزة التكنولوجية للجيش الأميركي ما قد يُقلّل من
قُدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن الحلفاء بشكلٍ موثوقٍ، خاصة في آسيا.
إذاً، هي في الظاهر حرب تجارية
يقول ترامب إنها تهدف إلى حمايةِ السوقِ الأميركي وخلق فُرَص عمل للأميركيين، ولكنها
في الواقع، حرب عسكرية تكنولوجية تهدف إلى منع الصين، أو على الأقل، تأخيرها من التفوّق
التكنولوجي في المجال العسكري، والذي سينعكس سلباً على القوّة الصلبة الأميركية وأهميتها
في عالمِ اليوم، وهو ما سيدفع الأميركيين إلى استثمارِ مزيدٍ من الأموالٍ الحكوميةِ
في سباقِ تسلّحٍ مُزدوجٍ: مع روسيا ومع الصين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق