2018/04/19

العدوان الثلاثي: الأهداف غير المصرّح عنها


أتت الضربة الصاروخية الثلاثية على سوريا والتي قامت بها دول ثلاث من حلف الناتو، مُفاجئة بحجم تواضعها وعدم تأثيرها على القدرات العسكرية والسياسية للجيش السوري، بل كانت مُفاجئة حتى لأقرب المقرّبين من دول العدوان، وخاصة إسرائيل التي أعلنت إن تأثير الضربة كان صفراً.

وكان مُفاجئاً أيضاً أن الرئيس الفرنسي ماكرون المُحرَج في تظاهرات داخلية رافضة لخطته الإصلاحية كان أكثر القادة الغربيين حماساً لها، تليه تيريزا ماي التي خالفت الأعراف المتّبعة في بلادها بالعودة إلى البرلمان قبل اتّخاذ قرار الحرب أو إشراك الجنود البريطانيين في تدخّل عسكري خارجي. بينما كان في أسفل سلّم المُتحمّسين للضربة، الأميركيون الذين انقسموا بين ترامب الراغب بتحقيق شيء ما يُبعد الأضواء عن أزماته الداخلية، ووزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الذي بدا الأكثر عقلانية، في خضم ضجيج الحملة وقرع طبول الحرب.

يُجمع الباحثون على أن دراسة صُنع القرار في الإدارة الأميركية هي مغامرة صعبة، فهناك العديد من العوامل والظروف الموضوعية والتاريخية والاجتماعية، بالإضافة إلى تعدُّد اللاعبين والقوى في الصوغ والتأثير عليه، مع العلم أن أياً منها ليست له صفة الحسم في كل منها، فما يستطيعه طرف ما في قضية ما، قد لا يجعله المؤثّر الحاسم في كل القضايا.

بشكلٍ عام، تتأّثر عملية صُنع القرار في أية دولة بأمرين: الطرف المُقرِّر، والبيئة أو الظروف الموضوعية والزمانية والمكانية المتعلقة بالقرار، علماً أن الظروف التاريخية السابقة للقرار، والتأثيرات اللاحقة للقرار، تشكّل في ذهن صاحب القرار ومحيطه العديد من الدوافع السيكولوجية والموضوعية لاتخاذ القرار أو عدمه.

وتبدأ عملية صنع القرار عامة في السياسة الخارجية، بدوافع أساسية، أي الحاجة إلى اتخاذ قرار بسبب وجود تغيّرات في البيئة الخارجية، والذي يتأثّر بشكلٍ أساسي وحاسم بتقدير للموقف "Definition of situation"، أي نظرة صاحب القرار ورؤيته للتطوّرات، ووعيه للأخطار.

وانطلاقاً مما سبق، ومن خلال دراسة صنع القرار الأميركي في خيار الضربة أو عدمها، نجد أن وزارة الدفاع الأميركية جنحت إلى اتخاذ صيغة "الخيار العقلاني" (Rational choice)، الذي يؤمّن المصلحة الأميركية، أي دراسة البدائل، واختيار الموقف الأقل كلفة والأكثر ربحاً، وهو ما تجلّى في التحذير من الإنجرار إلى حربٍ مع الروس قد تبدأ في سوريا ولكنها ستنتقل حتماً إلى أماكن أخرى حيث قد يصطدم حلف الناتو بالروس في عديد من الأماكن ومنها أوروبا الشرقية، بالإضافة إلى إمكانية انخراط عسكري إيراني في المعركة، يغلق مضيق هرمز، ويرفع أسعار النفط العالمية، بالإضافة إلى قدرة إيران على التأثير على الأمن القومي الإسرائيلي.

وبالنظر إلى المكاسب العسكرية التي تُقارب الصفر، وبنك الأهداف المتواضع الذي أشار إليه البنتاغون في الخريطة التي أبرزها لمواقع الضربة، قد تكون الأهداف الحقيقية للضربة الثلاثية على سوريا، مختلفة جداً عما تمّ التصريح به، ويمكن تصوّرها في ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:

- توجيه رسالة تحذير إلى الدول الضامِنة التي اجتمعت في أنقرة، بأن أيّ اتفاق لا يأخذ بعين الاعتبار المصالح الغربية في سوريا قد يؤدّي إلى تصعيدٍ عسكري، وأن الدول الغربية سوف تدافع عن مصالحها حتى لو أضطرت إلى استخدام القوّة.

- دقّ إسفين في التحالف المُتشكّل بعد أستانة، وذلك من خلال إعطاء أردوغان فرصة للابتعاد عن إيران وروسيا من خلال الإيحاء بأن الغربيين لا يفتقرون إلى الوسائل الضرورية التي تتيح لهم اعطائه الكثير من المكاسب. من هنا نفهم تلويح ترامب بالخروح العسكري من سوريا وإشارته الواضحة إلى تكليف القوى الإقليمية الحليفة بالمهمة في سوريا، وهذا ما قد يُغري أردوغان للابتعاد عن روسيا باعتباره الأقدر على تحقيق الهدف الأميركي بالانسحاب.

- إجبار الروس على الاعتراف بمصالح الولايات المتحدة الأميركية خاصة في الأهداف التي حدّدتها سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي، من أن بلادها لن تسحب قواتها من سوريا إلا بعد أن تكون أنجزت أهدافها. وحدّدت ثلاثة أهداف أهمها قد يكون على الإطلاق؛ حصول الولايات المتحدة على موقعٍ لمراقبة تصرّفات وأفعال إيران، وهو قد يكون بيت القصيد الأميركي من التصعيد في سوريا والذي جاء مُفاجئاً بعد إبداء الرغبة الأميركية في الانسحاب من سوريا.

إذاً، قد تكون الضربة الثلاثية استهدفت مواقع بحثية سوريّة، ولكنها على ما يبدو، رسالة عسكرية ذات أهداف سياسية موجّهة إلى الروس بالدرجة الأولى، وإلى الضامنين بالدرجة الثانية، من أن الحل السياسي لن يمر في سوريا من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الغربيين، وإن أي تفكير بغير ذلك سيدفع ثمنه العالم أجمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق