2019/09/16

كيف تحلّ قضية العميل فاخوري؟

طغت قضية العميل عامر فاخوري العائد الى لبنان، على الحيّز الاعلامي والسياسي وذلك بسبب قيامه بممارسة التعذيب والقتل العمد والترهيب على الاسرى المعتقلين في سجن الخيام خلال وجود الاحتلال الاسرائيلي في لبنان، وحيث كان العميل يشغل رتبة آمر السجن وقتذاك.
وتبدو الهبّة الشعبية -التي حصلت لغاية الآن- ممتازة إذ شكّلت ضغوطًا على الدولة اللبنانية لإعتقال العميل، ولكنها اكتفت برفع شعار "عدم عودة العملاء الى لبنان"، وهو أمر يعدّ قاصرًا عن التعامل مع ملف هؤلاء المرتكبين وخطورته.
برأيي، على الحملة الشعبية التي يقودها الأسرى المحررون أن لا تكتفي برفع شعار عدم العودة بل يجب عليها المطالبة "بعدم إفلاتهم من العقاب"، ومحاسبة من قام بتنظيف ملفاتهم عام 2014 خلال حكومة الرئيس تمام سلام.
يقصد بالإفلات من العقاب عدم التمكّن،  قانونًا أو فعلاً، من مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ومنها الجرائم ضد الانسانية والتعذيب.
وتتعدد أوجه وطرق الإفلات من العقاب، ويمكن إدراج هذه الأوجه في شكلين:
أ- الإفلات بحكم القانون وذلك من خلال قيام الدولة بمنح العفو لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ب- الإفلات من العقاب بحكم الواقع وهذا لا يحدث فقط عندما تفشل السلطات في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن أيضًا عندما لا يتم التحقيق بشكل فوري وبجدية وفقًا للمعايير الدولية، وهو ما يسمى الإفلات من العقاب بحكم الواقع.
أما الشكل المموه للإفلات من العقاب بحكم الأمر الواقع أيضًا، فهو عندما يُحكم على المرتكبين بعقوبات لا تتفق مع خطورة الانتهاك (وهذا ما حصل بالفعل مع عملاء اسرائيل) أو عندما لا تضمن السلطات الوطنية تنفيذ الحكم، أو ببساطة، عندما يُحرم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من الحق في العدالة، ويقيد وصولهم إلى المحاكم، أو لا ينظر إلى القضايا بشكل يتماشى مع المعايير الدولية المعمول بها. وقد يحدث أيضًا عندما يتم التلاعب بالأدلة أو عند إطالة أمد التحقيقات إلخ...
برأيي، لا يكفي أن يُمنع مرتكبو الجرائم الكبرى من زيارة لبنان، بل إن محاكمة هؤلاء وصدور مذكرات توقيف بحقهم وملاحقتهم في جميع أنحاء العالم، تؤدي خدمة كبرى ومنفعة لمستقبل لبنان بحيث تشكّل هذه رادعًا لكل من تسوّل نفسه التعامل مع العدو الاسرائيلي ومساعدته على فوز  قواته في لبنان مستقبلاً، كما يُكسب الدولة اللبنانية والقضاء اللبناني شرعية أكبر في نظر مواطنيها خاصة.
وهكذا، يستطيع أصحاب الحق والمتضررون من ممارسات هذا العميل وغيره، رفع دعاوى وإلزام الدولة اللبنانية بمقاضاته انطلاقًا من القانون الدولي الذي يقرّ بأن للأفراد في هذا الاطار حقوقًا لا تسقط بالتقادم، وفي الوقت نفسه يضع "التزامات مرتبطة بهذه الحقوق على الدول"، وذلك انطلاقًا من القانون العرفي والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
ويتضمن قانون المعاهدات واجب المقاضاة عن الانتهاكات الجسيمة، وهذا الواجب تتضمنه معاهدات جنيف الأربع لعام 1949، كما نجده، على سبيل المثال، أيضًا في اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة، واتفاقية منع التعذيب وباقي العقوبات (الخاصة) بالإنسان، وكلها تتضمن التزام وواجب الدولة لمقاضاة جريمة التعذيب والابادة.
وعليه، يبدو من المهم بمكان اليوم، أن لا تتدخل التسويات السياسية في قضية محاكمة العميل فاخوري أو غيره، لأن عدم القيام بتلك المحاكمات يقوّض حكم القانون في لبنان، ويثير الشكوك في العدالة اللبنانية برمّتها، والكرة اليوم في ملعب أصحاب الحق والمتضررون والأسرى المحررون، لتحقيق العدالة ولو أتت متأخرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق