2019/09/30

عزل ترامب: هل يؤدي الى حرب أهلية أميركية فعلاً؟

ينشغل الرأي العالم الأميركي والعالمي بالحملة الديمقراطية في الولايات المتحدة والتي تتحدث عن إمكانية عزل الرئيس دونالد ترامب، بسبب ما يقال انه خالف القانون الأميركي بطلبه من رئيس خارجي (الرئيس الأوكراني) مساعدته على الإطاحة بمنافسه جو بايدن عبر التحقيق في ملابسات وشبهات تورط بالفساد له ولأبنه في أوكرانيا.
واقعيًا، إن مسار العزل وإمكانيته لا يمكن النظر اليها ضمن المسار القانوني وحده، علمًا أنه مسار صعب أيضًا. قانونيًا، تبدأ إجراءات عزل الرئيس من الكونغرس الذي يسيطر فيه الديمقراطيون على الأغلبية، لكن الإدانة الفعلية يجب أن تصدر من مجلس الشيوخ الذي يتمتع فيه الجهوريون بأغلبية واضحة، علمًا أن إقالة الرئيس تتطلب ثلثي المجلس أي 66 عضوًا.
هذا في المبدأ، أما في الواقع فيمكن النظر الى معطيات عدّة تفرض نفسها على عملية المساءلة، وهي موازين القوى السياسية والشعبية.
بالنسبة لموازين القوى، يخطئ العديد من الباحثين حين يعتبرون أن ترامب هو في مواجهة "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، فلو كان كذلك لاستطاعت تلك الدولة الاطاحة به منذ السنة الاولى. قد يتأتى عدم إدراك هذا مباشرة، لعدم فهم الناس ما الذي تعنيه الدولة العميقة، فالدولة العميقة ليست مجرد "مجتمع الاستخبارات". وعندما يتم اعتماد فهم أكثر دقة للدولة الأميركية العميقة والتكامل التكافلي فيما بينها، وعلى مساحة الكرة الارضية، يمكن تمييز أن الادارة الأميركية الحالية هي فصيل من هذه الدولة العميقة يتصارع مع فصيل آخر استمر حاكمًا لفترة من الزمن.
بالتدقيق، نرى أن إدارة ترامب وقراراته، تعمل لصالح عمالقة المال في وال ستريت، مجموعات النفط وخاصة النفط الصخري، شركات السلاح ( أو ما يسمى المجمع الصناعي العسكري) والبنتاغون (زاد موازنة الدفاع بشكل غير مسبوق) بالاضافة الى القوميين البيض والكنائس الانجيلية المتعصبة... أما المحيّدون من اهتمام ترامب، فهم وزارة الخارجية، وكالات الأمن القومي والاستخبارات المتهمون بالتجسس على ترامب ومحاولة تقويض حكمه، و شركات سيليكون فالي ممولي حملات التظاهر عليه ....
وبهذا المعنى، يمكن توصيف ظاهرة ترامب، بأنها قد تمثل انقلابًا قوميًا أبيض من جانب قطاع مستاء من داخل الدولة العميقة نفسها، وهذا القطاع أو الفصيل يعتقد أن بإمكانه إعادة وتنظيم هيكلية الدولة العميقة لإخراجها من أزمتها وبالتالي تجنيب النظام العالمي العميق من أزمة ترددية تواكب الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة.
أما على الصعيد غير الرسمي، فيمكن القول أن احتمالات عزل ترامب قد تدفعه الى تحريض أنصاره على تقويض الاستقرار، ويمكن لفت النظر الى ما حصل في شارلوتسفيل عام 2017، حين اندلعت اشتباكات عنيفة في المدينة، وأظهرت الصور ووسائل الاعلام رجالاً بيض مدججين بالسلاح يشتبكون مه متظاهرين منددين بالعنصرية، بشكل تحولت معه المنطقة الى ساحة حرب فعلية، وقتلت فتاة بعد أن قامت سيارة بدهس المتظاهرين.
وهكذا، يبدو من الصعوبة بمكان عزل ترامب قانونيًا، بالاضافة الى الانقسام الذي ستثيره هذه الحملة التي يقودها الديمقراطيون اليوم... الواضح، أن الدولة العميقة دخلت في حرب حقيقية بين مكوناتها. باختصار، إن فرع الدولة العميقة الذي يدعم ترامب يعتقد أنه في مهمة فريدة وخاصة: إنقاذ الدولة العميقة من التدهور الناجم عن إخفاق الإدارات الأميركية المتعاقبة. هم في حرب وجودية، لإنقاذ "الرأسمالية" من أولئك الذين يريدون تدميرها، ولإعادة هيمنة الولايات المتحدة على العالم.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق