2020/01/20

لبنان.. عنف ثوري أم دور مشبوه للحريري؟

لم يكن ينقص اللبنانيون إلا أن يتناتش الفريق السياسي الواحد على حصة من هنا، ومقعد من هناك لتكتمل لديهم فصول اليأس من كل الوضع الحالي الذي لا يعطي أي بصيص أمل في قدرة هذه الطبقة على ايجاد حلول سريعة للوضع الاقتصادي المتأزم.

لقد يئس اللبنانيون من كل هذا التردي، ومن كل الطبقة السياسية التي تتفرج على الانهيار بدون أن تفعل أي شيء لوقفه، فلا رئيس الحكومة سعد الحريري مستعد لفعل أي شيء ضمن آليات تصريف الأعمال لوقف هذا الانهيار، ولا قوى الثامن من آذار والتيار الوطني الحر مستعدون لتقديم التسهيلات اللازمة لولادة الحكومة.

واللافت، أن الحريري يبدو وكأنه يسير في رمال متحركة، منذ بداية الانتفاضة الشعبية، فكلما تحرك كلما خسر أكثر، ويمكن رؤية حركته كما يلي:

- في المرحلة الأولى؛ انخرط الحريري في مشروع الانقلاب على حلفائه وشركائه في السلطة، أملاً منه في الانقضاض على التسوية الرئاسية التي أوصلته الى رئاسة الحكومة وأوصلت الرئيس عون الى رئاسة الجمهورية.

مشاركة الحريري في الانقلاب، كانت مدفوعة بأمرين: الغضب السعودي منه، بعدما تمّ التسويق من قبل بعض قوى 14 آذار لدى السعودية بأن "الحريري ضعيف ومستسلم لما يريده حزب الله وجبران باسيل"، فكان هاجس الحريري  - منذ الأزمة التي حلّت به عام 2017 واعتقاله في السعودية- كيف يمكن له الحصول على رضى السعودية مهما كلف الثمن.

أما الهاجس الثاني لدى الحريري، فكان حديث مستشاريه من أن التسوية أنتجت ضعفًا له في الشارع السنّي. ذلك أن الشارع كان قد عبأه تيار المستقبل مذهبيًا منذ عام 2005، وإذ بالتسوية التي عقدها الحريري عام 2016، تفرض التعايش مع كل من حزب الله (المتهم باغتيال والده) والتيار الوطني الحر (صاحب الإبراء المستحيل).

إذًا، أراد الحريري في المرحلة الاولى أن يستثمر في الحراك، ليقطف الارباح الصافية، فلم تجرِ الرياح كما تشتهي سفن الحريري ومستشاريه.

- المرحلة الثانية، وبدأت بعد اعلان الاستقالة، حيث اعتقد الحريري أن العودة ستكون على حصان أبيض، متكلاً على دعم ثابت من قبل الثنائي الشيعي، فقام بإحراق كل الأسماء التي رشّحها من قبل المقربين منه. لم يرضخ الوزير جبران باسيل لشروط الحريري، فكانت العقدة الاولى ( لذا تعبّر خطاباته عن حقد غير مسبوق على التيار الوطني الحر)، أما العقدة الثانية فكانت في عدم رغبة السعودية بعودته، وهو ما أخرجه من السباق فعليًا.

لم يستستلم الحريري، فاعتكف أملاً في زيادة الانهيار الاقتصادي، ليكون هو الشخص المطلوب للانقاذ المالي بعد ستة أشهر كما توعّد. وما أن برزت بوادر تشكيل حكومة جديدة وبدأ الشارع التصويب على سياسات حاكم مصرف لبنان ومشاركة المصارف في نهب الخزينة العامة، حتى انتقل الى خطة أخرى، وهي استخدام الشارع مرة أخرى في تأجيج العنف في وسط بيروت.

 وبالفعل لقد حقق الحريري من خلال العنف المستورد من طرابلس الى ساحة الشهداء، عدّة أمور مهمة أهمها:

- حرف الانظار عما حصل أمام المصرف المركزي في الحمرا من سحل المتظاهرين، واستخدام العنف المفرط من قبل قوى الأمن الداخلي التي تأتمر بأوامر الحريري، وذلك بإعطاء ذريعة لتلك القوى بأنها تدافع عن نفسها أمام عنف مقابل من الشارع.

- وضع معادلة جديدة أمام القوى السياسية الأخرى، بأن التصويب على سياسات مصرف لبنان والمصارف (رأس الدولة العميقة) سوف يؤدي الى ردّ عنيف باستخدام الشارع، قد يدفع البلاد الى الفوضى.

- توجيه رسالة الى الشركاء والخصوم، بأن الحريري ليس ضعيفًا كما يتم الترويج له، وأنه ما زال يملك شارعًا يستطيع من خلاله قلب الطاولة في حال تمّ المسّ بالحريرية السياسية والأمنية والمالية.

للحريري الحق في استخدام كل الوسائل لتحقيق غاياته السياسية، لكن المشكلة التي تواجه اللبنانيين اليوم، هو عجز جزء من الطبقة السياسية عن الخروج من مصالحها الضيقة، بالاضافة الى رغبة البعض الآخر بقوة بعودة الحريري لممارسة نفس الممارسات القديمة، لذا تحاول تمرير الوقت أملاً في تغيير داخلي او اقليمي يعيد فرض الحريري على المشهد السياسي واستعادة الترويكا التي حكمت لبنان منذ التسعينات. مشكلة هؤلاء جميعهم، ضيق الأفق، وعدم قدرتهم على فهم التحولات التي حصلت داخل لبنان وفي المنطقة، والتي تبشّر اللبنانيين بأمل جديد من التغيير القادم والذي يحتاج لمخاض أليم، يبزغ بعده فجر جديد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق