2020/09/22

الاغتيال الاقتصادي للبنان للسلام مع اسرائيل؟

 

 

لا شكّ أن الوضع الاقتصادي السيء الذي وصل إليه لبنان، تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ التسعينات ولغاية اليوم، ثم بالدرجة الثانية السياسات الخارجية التي غطّت ودعمت هذه الطبقة الفاسدة، وتشاركت معها النظرة الى لبنان كغنيمة حرب، وأثرت على حساب اللبنانيين ولقمة عيشهم.

 

ويبدو من حالة الإفلاس المالي والاقتصادي وانهيار الليرة اللبنانية وتعثّر الدولة اللبنانية عن سداد ديونها، أن لبنان قد تعرّض بالفعل لاغتيال اقتصادي، يشبه الى حدّ بعيد ما وصفه جون بيركنز في كتابه الشهير "اعترافات قاتل اقتصادي" الصادر عام 2004.

 

يحدد "بيركنز" دوره كخبير إقتصادي لدى إحدى أكبر الشركات الإستشارية الكبرى، حيث يقوم بإعداد دراسات بالتوافق مع المنظمات المالية لتقديم القروض للدول النامية المستهدفة، تحت إطار "تحديث الدولة" وتحسين بنيتها التحتية، على أن تقوم الشركات الغربية الكبرى، وأهمها الأميركية، بتنفيذ هذه المشروعات، التي تستفيد منها "الكوربوقراطية"؛ وهو مثلث يتكوّن من الشركات عبر الوطنية، وبعض السياسيين الأميركيين، والمؤسسات المالية الدولية؛ كصندوق النقد الدولي الذي يمنح القروض.

 

وللوصول الى الأهداف المرجوة، يلجأ القاتل الاقتصادي الى تزوير الإنتخابات لتأمين وصول موالين مستعدين للموافقة على الصفقات، الرشوة، الإبتزاز، الجنس وأحياناً الاغتيالات. ويُستخدم الدولار كأداة مساندة، حيث عادة ما يتم المضاربة بالعملة المحلية فتنهار مقابل الدولار الأميركي، ما يُرهق الدولة المستهدفة بمزيد من الضغوط ويصبح الحل الوحيد أمامها هو طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي.

 

وعليه، وكشرط للقروض، يُطلب من الدول النامية وصفات محددة، أهمها فتح أسواقها أمام الشركات العالمية الكبرى والإبتعاد عن السياسات المساندة للقطاع العام وللفئات الأكثر ضعفاً تمهيدًا لخصخصة القطاع العام بالكامل.

 

نجاح "القاتل الإقتصادي" - بحسب بيركنز- يقاس بحجم القروض التي ينجح في إقناع الدولة المستهدفة بطلبها، فكلما كانت أكبر، كان ثمن عدم سدادها من قبل الدولة المَدينة أكبر. وفي غالبية الحالات، تتعثر الدول في سداد الديون، فتعمّها الفوضى، والنزاعات والعنف بين الشرائح المهمشة، وترزح تحت ثقل الديون. ولقد نجحت هذه الطرق في العديد من الدول فتمّت الهيمنة عليها وعلة مقدراتها ومواردها، لكنها خابت أمام دول تبدو أصغر حجمًا وأثرًا، لوجود بعض الساسة الأكثر استقلالية وصلابة، وهو ما يعني الانتقال للخطة "ب": إرحل من السلطة.

 

على سبيل المثال، تمّ دفع الإكوادور الى الإفلاس خلال عقود ثلاثة من الزمن، ارتفعت فيها نسبة الفقر من 50% إلى 70%، ونسبة البطالة من 15% إلى 70%، وتزايد الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار. ولكي تتمكن الإكوادور من سداد الديون التي ورطها فيها القتلة الاقتصاديون (مجموعات داخلية وخارجية)، اضطرت الى بيع الغابات البترولية لشركات أميركية كبرى، مقابل 25 دولارًا من كل 100 دولار للدولة، تذهب 75% منها لسداد الديون الخارجية، أي للشركات العالمية التي نفّذت مشاريع التنمية.

 

بقراءة كتاب بيركنز، يمكن فهم العديد من التطورات والتحولات التي حصلت في العديد من دول العالم، ويمكن فهم المسارات التي سار فيها لبنان، والطبقة السياسية التي حكمته لمدة عقود ثلاث من الزمن، كما يمكن فهم الحملة الشعواء على رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، خاصة بعد خطاباته في الامم المتحدة والتي أعلن فيها "أن لبنان يقرر عن نفسه، ويرفض المشاريع الدولية التي لا تناسبه".

 

ولا يعود مستغرباً بعد انفجار المرفأ في 4 آب/ أغسطس 2020 وبعد الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يعاني منه لبنان والذي تفاقم بسرعة كبيرة بعد انتفاضة 17 تشرين الأول / اكتوبر 2019، أن نقرأ في الصحف الاميركية والاسرائيلية مقالات رأي تشير الى أن مصير لبنان المحتوم هو السلام مع اسرائيل كنتيجة لهذه الأزمات.

 

في النتيجة، يبدو أن الاغتيال الاقتصادي الذي مورس على لبنان بالتعاون والتكافل مع الطبقة السياسية الفاسدة التي نهبت الخزينة العامة، يهدف الى أمرين:

 

- إغراق لبنان بالديون والازمات الاقتصادية والانهيار المالي، للرضوخ لوصفات صندوق النقد الدولي، وبالتالي تلزيم الغاز في المتوسط حيث تذهب عائداته الى الشركات الكبرى، والباقي من حصة الدولة اللبنانية يذهب لسداد الديون الخارجية، ولا يتبقى للتنمية المحلية سوى الفتات (إذا تبقى).

 

- إجبار لبنان على دفع أثمان سياسية باهظة، متعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي، وبأرضه ومياهه، وحق اللاجئين الفلسطينيين في عودة الى ديارهم، والقبول بتوطينهم في لبنان.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق