2021/04/26

النهوض ما بعد اللقاح: هل يغيّر وجه أوروبا؟

 

لا شكّ أن جائحة كورونا فرضت تحديات جمّة على جميع دول العالم، سواء على الصعيد الصحي أو الإقتصادي أو الإجتماعي أو غير ذلك. وقد بدا أن هناك عجزاً في التعاطي مع الجائحة في مختلف دول العالم وخاصة الدول الصناعية الكبرى التي من المفترض أنها اكثر اقتداراً على التعاطي مع هذا النوع من التحديات الذي يفترض جهوزية صحية ومالية وإدارية لا تمتلكها الدول النامية.

 

بعد مرور أكثر من عام على انتشار الجائحة، تشير الاحصاءات الى أن أوروبا عانت من العدد الأكبر من الإصابات عالمياً كما سجّلت أرقاماً من أعلى معدلات الوفيات في العالم. ولقد أظهرت موجات الكورونا الأولى والثانية في الاتحاد الأوروبي عدم قدرة الاتحاد على التعاطي بفعالية في مواجهة جائحة صحية عالمية، بحيث كانت النتائج سيئة إن لناحية السرعة أو لناحية التنظيم أو التعاطي بمسؤولية والخروج من الاعتبارات الوطنية الضيقة. أما الموجة الثالثة والتي ترافقت مع انتشار اللقاح وتوسع حملات التلقيح في العالم، فلقد ظهرت أوروبا متأخرة عن باقي الدول الصناعية الكبرى في شراء اللقاح وتوزيعه ونسبة المواطنين الذين تمّ تلقيحهم.

 

وتتنوع الأسباب التي أدّت الى تلك النتائج، ونشير الى أبرزها بما يلي:

 

- البيروقراطية البطيئة

 

لقد أظهرت جائحة كورونا عجز بيروقراطية بروكسل عن التعامل بفعالية مع التحديات السريعة والمستجدة. وتبين أن آليات تفويض السيادة الى خبراء غير منتخبين في بروكسل يمكن لها أن تسير بفعالية في الأوقات العادية ولكن الماكينة البيروقراطية البطيئة غير قادرة على اتخاذ قرارات بالسرعة اللازمة التي يستوجبها التعامل مع كورونا وسرعة انتشاره.

 

- عجز آليات التكامل الوظيفي

 

دخل الاتحاد الاوروبي في إشكالية هامة هي تضارب المصالح بين الاوروبي والوطني، فأوروبا مندمجة بشكل لا تستطيع معها أن تعالج كل دولة مشاكلها بطريقة مستقلة ومنفردة بشكل تامّ، ولكنها ليست مندمجة الى الحد الذي يجعلها تستطيع أن تتخذ قرارات هرمية بشكل حاسم كما هي حال الدول الفيدرالية كالولايات المتحدة أو روسيا أو غيرها.

 

لم يكن باستطاعة تكنوقراط الاتحاد الاوروبي (غير المنتخبين) من أن يفرضوا قرارات على المواطنين داخل الدول، بل إن هذا الأمر استمر من صلاحية السلطة السياسية داخل كل دولة على حدى، وبالتالي في صراع البقاء والموت الزاحف، كانت السلطات السياسية الوطنية والمحلية تتصرف بحسّ غرائزي وطني طبيعي في تلك الظروف، فتقرر ما يناسب مواطنيها بغض النظر عما يعنيه هذا الى باقي دول الاتحاد أو الى مؤسسات الاتحاد الاوروبي البيروقراطية.

 

حتى في موضوع اللقاحات، لقد عجز الاتحاد الأوروبي عن مواكبة السرعة في تأمين اللقاحات، وتأخر في أخذ القرار بالمساهمة وتمويل مختبرات لصنع لقاحات أوروبية خاصة، وبالرغم من مساهمة الشركات الأوروبية في اللقاحات إلا أن البريطانيين والأميركيين استحوذوا على الحصص الأوفر والأسرع من اللقاحات بسبب الاستثمار المبكر الذي قاموا به في دعم تلك الأبحاث وتمويلها.

 

كل هذه الأمور، ساهمت في تعميق الخلل والهوة بين الدول الاوروبية، فدول أوروبا الشرقية والدول الأفقر تعثرت بينما استطاعت الدول الأغنى في الاتحاد أن تؤمّن لنفسها ولمواطنيها مستوى أفضل من التعامل المؤسساتي والصحي مع الجائحة.

 

وساهم التأخر في توزيع اللقاح داخل الاتحاد الى سعي كل دولة لتأمين لقاحاتها من مصادر مختلفة، ما جعل الدول التي وجدت نفسها على الهامش، بأن تسعى لتأمين اللقاح من روسيا والصين تماماً كما حصل في بداية الجائحة حين وجدت هذه الدول نفسها متروكة من قبل الاتحاد الاوروبي والدول الغنية فيه فلجأت الى الروس والصينيين للمساعدة.

 

الى أين سيؤدي هذا؟

 

إن سوء الإدارة وعدم الفعالية التي تعامل لها الاتحاد الأوروبي مع جائحة كورونا ستكون عاملاً مساهماً في صعود اليمين والمتشائمين من مستقبل الاتحاد والمطالبين بالعودة الى السياسات الوطنية. كما إن التسييس الذي انخرط فيه الأوروبيون في موضوع اللقاحات وتوزيعها، خاصة في معركتهم مع بريطانيا حول بريكست، والتفاوت - الذي سببه الفشل في إدارة الجائحة- بين دول غنية ومقتدرة ودول عاجزة وجدت نفسها على الهامش، سيدفع الى التشكيك بشرعية مؤسسات الاتحاد الاوروبي وفعاليتها من قبل العديد من الاوروبيين، حتى أولئك المؤيدين بقوة للاندماج الأوروبي، وهذا قد يغيّر الكثير من المعادلات الانتخابية وبالتالي السياسات الوطنية داخل الاتحاد.

 

وبما ان العديد من دول الاتحاد ستجري انتخاباتها في العامين القادمين، فإن سرعة النهوض الاقتصادي وسرعة الخروج من الجائحة ستكون عاملاً أساسيًا في التوجهات الانتخابية لعامي 2022 و2023، وبالتالي إن التأخر في فتح الأسواق، وعدم قدرة الاتحاد على الاتفاق على سياسة إنفاق لتحقيق نهوض اقتصادي تنموي لفترة ما بعد الجائحة سيجعل من تلك الانتخابات عاملاً لصعود غير مسبوق لليمين الاوروبي بالرغم من خسارة اليمين (بخسارة ترامب) في الولايات المتحدة الأميركية.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق