2021/05/08

الفرنسي الباحث عن انتصار: من لبنان الى بريطانيا؟

 

تتصدر فرنسا النشرات الاخبارية العالمية في حدثين، ارسال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لحلّ المسألة اللبنانية المعقدة، وتهديد اللبنانيين غير المنصاعين للأوامر الفرنسية، والتوتر العسكري بين فرنسا وبريطانيا على خلفية نزاع على رخص الصيد البحري بالقرب من جزيرة جيرسي البريطانية.

 

وكما كان متوقعاً منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بدون اتفاق، بدأت المشاكل البحرية حول الصيد البحري، واحتدمت المسألة بين الفرنسيين والبريطانيين بحيث أرسل الطرفان سفنهما الحربية الى القناة الانكليزية. وبدأت التوترات بين الطرفين بعدما قامت الجزيرة بتشديد الإجراءات التي تسمح للصياديين باستعمال مياهها، ما سبب أضراراً فادحة لبعض الصيادين الفرنسيين. لم يسكت الفرنسيون وهددوا بقطع الكهرباء عن جيرسي حيث أن معظم توريدات الطاقة الكهربائية (95%) التي تستخدمها الجزيرة تأتي من فرنسا عن طريق الكابلات البحرية.

 

وأعلنت البحرية الفرنسية أنها أرسلت زورقين إلى المياه المحيطة بجزيرة جيرسي، التابعة للتاج البريطاني في القنال الإنجليزي، وذلك رداً على قيام رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بإرسال سفينتي حراسة تابعتين للبحرية الملكية لمراقبة احتجاج الصياديين الفرنسييين في المياه حول ميناء جيرسي.

 

وتعيد هذه الحادثة والتهديد العسكري بين البلدين، الذكرى الى الحروب الكثيرة التي خاضها الفرنسيون والبريطانيون بين بعضهم البعض منذ القرون الوسطى ولغاية الحرب العالمية الثانية ومنها بالتحديد حملة جاسكون بين عامي 1294 و 1303.

 

بدأت تلك الحرب بنزاع بين البلدين حول الصيد البحري أيضاً، ثم ما لبث أن تطور الى حرب بحرية توسعت لتتحول الى حرب حقيقية شاملة بين البلدين. عام 1293، تحولت معركة بين البحارة قبالة سواحل جاسكون، بين قوارب صيد جاسكون ونورمان، إلى حرب بحرية مفتوحة بين البحريتين الإنجليزية والفرنسية، كانت مقدمة للتوترات المستقبلية بين البلدين والتي بلغت ذروتها في حرب المائة عام بينهما.

 

واليوم، وبالنظر الى الأسباب التي تدفع كل من بريطانيا وفرنسا الى استعادة توترات شبيهة الى حدٍ كبير بالتوترات التي طبعت العلاقة بينهما خلال القرون الوسطى، فيمكن الإشارة الى أسباب متعددة منها إقتصادية وسياسية، لكن العامل الشخصي الشعبوي في كلا البلدين لا يمكن إغفاله:

 

- في فرنسا

 

يعيش الفرنسيون على وقع التحضير للانتخابات المحلية في 20 و27 يونيو/ حزيران المقبل، وعلى وقع التحضير لانتخابات رئاسية عام 2022.

 

ويعاني الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحزبه من تراجع كبير في الشعبية عكستها الانتخابات البلدية العام الماضي، فقد مُني فيها حزب ماكرون بخسائر فادحة. كما يعيش الفرنسيون على وقع تظاهرات "السترات الصفراء" المناهضة لماكرون وسياساته والتي تشهدها فرنسا منذ سنوات بدون توقف.

 

وفي اعترافٍ واضح من الحزب الحاكم في فرنسا(حزب ماكرون) بأنه بات أضعف وأقل شعبية من أن يحقق الفوز في بعض المناطق بمفرده، شكّل الحزب المنتمي ليمين الوسط تحالفاً مع حزب الجمهوريين المحافظ لخوض الانتخابات المحلية القادمة.

 

أما الانتخابات الرئاسية، فتشير التوقعات الى معركة رئاسية صعبة سيخوضها ماكرون في وجه مرشحة اليمين مارين لوبن وباقي المرشحين ومنهم مرشحة السترات الصفراء، ولقد تراجعت شعبية ماكرون بعد جائحة كروونا واتهامه بعد التعامل بفعالية مع الجائحة.

 

- في بريطانيا

 

أما رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والمعروف بـ "ترامب بريطانيا" بسبب شخصيته الفظّة ولسانه السليط وخطاباته الانتخابية الشعبوية، فيواجه انتقادات وتوترات من قبل الاوروبيين منذ خروجه من الاتحاد الاوروبي بدون اتفاق شامل. وكان ما سمي "حرب اللقاحات" والتي بدأت في شهر آذار/ مارس المنصرم المؤشر الأبرز على أن الكلام المنمق بين كل من بريطانيا والاتحاد الاوربي يخفي تحته مشاعر سيئة متبادلة بين الطرفين.

 

وتصاعدت "حرب اللقاحات" حين أقرّت المفوضية الأوروبية آلية للإشراف على تصدير اللقاحات الى خارج دول الاتحاد ما أثار انتقادات بريطانيا- الوجهة الرئيسية للجرعات المصدرة من القارة الأوروبية. ويتهم الاوروبيون بريطانيا بأنها استوردت ملايين الجرعات من الاتحاد الاوروبي، في المقابل لم يتلقَ الاتحاد أي جرعة منتجة من بريطانيا.

 

وهكذا، وإنطلاقاً من هذا التراجع الشعبي على أبواب معارك انتخابية حاسمة يبدو ماكرون مستعجلاً لتحقيق انتصار ما، أو الظهور بمظهر الرئيس القوي الذي يحافظ على مصالح فرنسا ولو باستخدام القوة أو التهديد باستخدامها، لذا هو سيقوم باستخدام أي أزمة أو فرصة لتسويق نفسه في الداخل وزيادة حظوظه في الفوز في الانتخابات.

 

لا شكّ أن أزمة ماكرون الداخلية تنعكس في آدائه الخارجي، وهو ما شهدناه من تعامله مع أزمة لبنان التي أراد أن يسجّل فيها انتصاراً لمبادرته بأي ثمن، فأخطأ أخطاء فادحة أدت الى فشلها، ما جعله يهدد بفرض عقوبات على "المعرقلين"، كما شهدناه في تعامله مع تركيا وتهديدها ثم تراجعه، واليوم في التصعيد العسكري مع بريطانيا، الذي لم يكن ضرورياً لحلّ أزمة يمكن حلّها بالحوار والدبلوماسية.

 

أما العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وبالرغم من أن الازمة ستعبر عبر الحل الدبلوماسي، إلا أن المعارك الجانبية المحدودة بينهما مرشحة لمزيد من التفاقم والتزايد، ما يسمح بالمزيد من الاستخدام السياسي على أبواب عامين من الانتخابات القادمة في العديد من دول الاتحاد، وفي ظل ارتفاع أسهم اليمين الشعبوي الاوروبي... الأكيد أن العلاقة بين الطرفين ستبقى ضمن الحلول الدبلوماسية لحلّ المسائل العالقة، في وقت يعاني فيه الجميع من تداعيات أزمة كورونا التي ستدفع الجميع الى التعاون لمواجهة الركود المنتظر، لكن اليمين والشعبوية ستكون بالمرصاد لايقاد نار تبدو تحت الرماد. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق