2021/07/19

هل تتجرأ أوروبا بعد التحذيرين الصيني والروسي؟

 

بعد غياب طال زمناً،  أي منذ ما بعد مرحلة انهيار الاتحاد السوفياتي، أعاد الرئيس الأميركي جو بايدن توجيه الصراع في العالم عبر إعطاء الصراع الجيوبوليتكي طابعاً ايديولوجياً، وذلك عبر تكريس معادلة "الديمقراطية مقابل الديكتاتورية"، متهماً كلاً من منافسي الولايات المتحدة في العالم (الصين وروسيا) بأنها ديكتاتوريات تحكم بالحديد والنار.

 

منذ عهد جورج بوش الإبن، الذي دمج استراتيجية "الحرب على الارهاب" الشهيرة، باستراتيجية "فرض الديمقراطية" في العالم وخاصة في الشرق الأوسط، لم يقم اي من الرؤساء الأميركيين بمحاولة إعطاء بعداً ايديولوجياً للصراع على النفوذ في العالم. وقد يعود سبب ذلك، الى فشل القوة الصلبة الأميركية في تحقيق "فرض الديمقراطية" بالقوة، ما أضعف القوة الناعمة الأميركية الى حدّ كبير، وأضر بهيبة أميركا في الخارج، خاصة في البلدان التي كانت مسرحاً مباشرًا للحرب على الارهاب: العراق وأفغانستان.

 

ولم يكتفِ بايدن بإعادة توجيه السياسة الخارجية الى " كفاح الديمقراطية مقابل الديكتاتورية" بل شخصن الصراع مع روسيا والصين، عبر اتهام الرئيس بوتين بأنه "قاتل"، وتوجيه الاتهام الى الرئيس الصيني بأنه لا يملك "عظمة ديمقراطية واحدة في جسده"، معتبرًا أن معركته الحقيقية خلال عهده، هي اثبات بأن الديمقراطية قادرة أن تعمل في القرن الحادي والعشرين.

 

أتى الردّ الصيني عنيفاً خلال مئوية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، فلقد قام الرئيس الصيني تشي جيانبينع، بتهديد من يريد أن يعتدي على الصين بأنه سيحطم رأسه عبر جدار فولاذي من  1,4 مليار صيني.

 

خطاب الرئيس الصيني، لم يتطرق مطلقاً الى هدف الصين المعلن منذ فترة (التحوّل الى دولة ديمقراطية تامة بحلول عام 2049)، بل بدا أقرب الى الخطابات التي كان يدليها كل من ستالين وماوتسي تونغ خلال الحرب الباردة.

 

كما ستالين عام 1946، الذي أكد على الماركسية اللينينية باعتبارها ايديولوجية متفوقة وأنها نظام سياسي واقتصادي على حدٍ سواء، وكما اعتبر ماوتسي تونغ أن "الماوية" متفوقة على جميع الايديولوجيات الأخرى، سواء الرأسمالية الغربية أو الاشتراكية السيوفياتية، كذلك تشي. أعلن تشي أن إيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني هي الأساس، وأن هذه الايديولوجية هي التي ستمسح بعودة الصين الى عظمتها التاريخية والخروج من تاريخ مشؤوم من الاذلال الذي عرفته بين منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين.

 

أما الرد الروسي فجاء واضحاً عبر استراتيجية جديدة للأمن القومي وقعّها الرئيس فلاديمير بوتين في 3 تموز/ يوليو 2021. وتعبّر هذه الاستراتيجية عن حجم الجدية التي يتعامل بها الروس إزاء التهديدات التي يشكّلها الأميركيون لروسيا في العالم ورغبتهم في احتوائها.

 

 تبني الاستراتيجية الروسية الجديدة على الأفكار الواردة في الاستراتيجية السابقة، والتي تمّ توقيعها كقانون في 31 كانون الثاني / ديسمبر 2015. في تلك الاستراتيجية، أعلن الروس أن بلادهم محاصرة من قبل أعداء يحاولون التعدي على البلاد بأساليب تتراوح بين الضغط العسكري وصولاً الى نشر الأفكار الهدامة للمجتمع الروسي. بينما تذهب الاستراتيجية الجديدة الى أبعد من ذلك، إذ انها تتحدث عن مجموعة أوسع من تهديدات الأمن القومي، بما في ذلك الأمن السيبراني، الأنشطة التي تقوم بها الشركات العالمية الكبرى، "تغريب الثقافة"  الروسية، ومحاولة فرض القيم الأخلاقية الأجنبية لإبعاد الروس عن قيمهم الحضارية الأساسية وغير ذلك.

 

بالاضافة الى التهديدات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية التي يشكّلها الناتو والغرب، تتحدث الاستراتيجية الروسية عن "رغبة الدول الغربية في الهيمنة على العالم (المادة 7) ومن ضمنها محاولات "الدول غير الصديقة ... لاستخدام المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في الاتحاد الروسي لتدمير وحدته الداخلي ، والتحريض على القيام بحركة احتجاجية متطرفة، ودعم المجموعات الهامشية، وتقسيم المجتمع الروسي "(المادة 20 ) .

 

لذا، فإن روسيا "ستقاتل" ليس فقط ضد المتطرفين الذين يقوضون النظام الدستوري لروسيا، بل وأيضًا ضد أولئك الذين ينشرون النفوذ الغربي في البلاد - بما في ذلك التأثير الثقافي والأخلاقي للغرب. كما يتحدث الروس عن ضرورة تطوير وسائل المواجهة تجاه "المحاولات المتعمدة لتقويض القيم التقليدية، وتشويه التاريخ العالمي، ومراجعة وجهات النظر حول دور روسيا ومكانتها فيه، وإعادة تأهيل الفاشية والتحريض على الصراعات بين الأعراق وبين الطوائف" وحتى تقييد استخدام اللغة الروسية (المادة 19).

 

وهكذا، يمكن اختصار الصراع العالمي اليوم بالسعي نحو الهيمنة، حيث تحاول الولايات المتحدة تكريس هيمنتها الامبراطورية على العالم، بينما يتحدى الآخرون، ويعتزمون العمل ما بوسعهم لإعادة التوازن والتعددية القطبية الى النظام العالمي. لكن، إن الصراع الحالي لا يبدو سهلاً:

 

-        اقتصادياً: لا تجد أوروبا نفسها مرتاحة للوقوف في محور أميركي ضد الصين، إذ أن الارتباطات الاقتصادية والتجارية مع الصين، تبدو كبيرة وواعدة. أما إذا تمّ تقسيم العالم بين ديمقراطيات وديكتاتوريات تتقاتل لفرض وجهة نظرها، فإنه من الاسهل على أوروبا أن تقف في معسكر الولايات المتحدة الداعم للديمقراطية بدون تحفظ.

 

-        بالنسبة لروسيا، إن الصراع التاريخي الممتد منذ الامبراطوية القيصرية وصولاً الى الاتحاد السوفياتي، بات من الماضي بآلياته القديمة، لكن تحويل الأمر الى محاولة تغيير وتوجيه ثقافي لإحلال الديمقراطية في بلد مجاور لاوروبا ويتقاسم معها الفضاء الطبيعي في العديد من دول شرق ووسط أوروبا، فإن ذلك الأمر يستدعي المخاطرة أوروبياُ.

 

 

 

لهذا، نجد أن قيام بايدن بإعادة الخطاب الايديولوجي الى ساحة العلاقات الدولية، قد يكون هدفه محاولة تكريس تكتل قوى متجانسة عالمياً كما كانت الحرب الباردة، لأن صراع النفوذ التقليدي وصراع الجيوبوليتيك لم يعد كافياً للتحشيد للسعي نحو هيمنة أحادية، فهل تنقاد أوروبا للبعد الايديولوجي؟ يبدو الجواب نعم، بحذر.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق