2021/07/09

الانسحاب الأميركي من أفغانستان: الأوراق بيد بوتين؟


أعلن البيت الابيض أن القوات الأميركية سوف تغادر أفغانستان بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً أي في 31 آب/ أغسطس من العام الحالي، بعدما كان من المفترض أن يعلن رحيل آخر جندي أميركي عن أفغانستان بحلول 11 أيلول، منهية 20 سنة من التدخل العسكري الأميركي في هذا البلد.

وفي اعتراف صريح، أعلنت المتحدثة باسم الأبيض الأبيض أن الاميركيين لن يعلنوا الانتصار، لأنهم "لم يربحوا الحرب في أفغانستان"[1]، بينما خفف بايدن من وطأة الانتقادات التي اعتبرت خروجه من أفغانستان شبيهة بالخروج من فيتنام، معتبراً أن الولايات المتحدة دفعت تريليون دولار على تسليح وتدريب القوى العسكرية الأفغانية، ولقد قتل 2448 أميركيًا، وجرح 20,722 لتحقيق هدفين: قتل بن لادن، ومنع القاعدة من استخدام هذا البلد للتأثير على الأمن القومي الأميركي[2].

وبسبب الانسحاب المتسرع والفجائي لقوات حلف الناتو، استطاعت طالبان أن تكتسح العديد من المناطق الأفغانية. واللافت ما تقوم به طالبان من تحسين علاقاتها مع دول الجوار، والتأكيد أن ليس من أهدافها المسّ بالاستقرار الاقليمي. وقامت لهذا الغرض بالتواصل مع كل من روسيا والصين وإيران التي استضافت موتمراً للحوار الأفغاني، دعت فيه طرفي الحوار (الحكومة الأفغانية وطالبان) الى السلام وتقاسم السلطة ورحب وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف بما اسماه "الهزيمة الأميركية" في أفغانستان[3].

بالنسبة للصين:

اجتاحت طالبان مقاطعة بدخشان الشمالية الشرقية، ووصلت إلى الحدود الجبلية مع منطقة شينجيانغ الصينية .لطالما نظرت الصين الى طالبان بعين الحذر والعداء، بعدما دعمت طالبان الجماعات المسلحة الأويغورية في شينجيانغ وتعاونت معها. أما اليوم، فلقد قامت طالبان بإرسال رسائل واضحة لبكين، عبر باكستان، أظهرت فيها حسن النية، وعبرت عن أملها بأن تلعب الصين دوراً أكبر في أفغانستان بعد رحيل الأميركيين. وبما أن الصين لا يعنيها كثيراً ملف حقوق الإنسان، ولا تتدخل في كيفية حكم البلاد التي تتعامل معها استثمارياً، فمن المحتمل أن تكون العلاقات بين طالبان والصين مرشحة للتعاون في المستقبل. تحتاج طالبان الى الاستثمارات الصينية لتعزيز الاقتصاد ما يسهّل لها إخضاع الأفغانيين وفرض الحكم الاسلامي، بينما التعاون مع الحكم الأفعاني القادم والذي ستسيطر عليه طالبان، سيعزز النفوذ الصيني في المنطقة.

بالنسبة لروسيا:

لطالما خشي الروس من التمدد الاسلامي في محيطهم الجغرافي وتأثيره على الحركات الانفصالية في الاتحاد الروسي، فشجعوا الاطاحة بطالبان في السابق. اليوم، يتعامل الروس بحذر مع التطورات الناتجة عن الانسحاب الأميركي، ولقد عبروا عن استعدادهم لتعزيز نفوذهم العسكري في طاجيكستان، تنفيذاً لمعاهدة الأمن الجماعي CSTO، والتي تضم روسيا وخمس دول سوفيتية سابقة أخرى، وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن موسكو مستعدة لاستخدام قاعدتها العسكرية في طاجيكستان، إحدى أكبر قاعدتها العسكرية في الخارج، لضمان أمن حلفائها في المنطقة.

بالمقابل، زار وفد من طالبان روسيا، مبدياً رغبة بالتعاون مع موسكو، ومؤكدًا على عدم الرغبة في المسّ بالاستقرار في المنطقة.

بالنسبة للأميركيين:

تبقى منطقة وسط آسيا ذات نفوذ استراتيجي هام بالنسبة للأميركيين، ومهمة للتأثير على طريق الحرير الجديد الذي تنفذه الصين برياً ويربط الصين بأوروبا والعالم، لذا يبحث الأميركيون إمكانية إنشاء قواعد عسكرية في الدول المجاورة في أسيا الوسطى بديلة عن تلك التي أخلوها في أفغانستان.

لا تبدو الخيارات الأميركية كبيرة في هذا المجال، فلقد قام المبعوث الأميركي الى أفغانستان، زلماي خليل زاده، بزيارة الى منطقة وسط آسيا في أيار/ مايو الماضي، لبحث إمكانية إنشاء قواعد عسكرية في الدول المجاورة لأفغانستان.

في هذا الإطار، تقوم تلك الدول بموازنة دقيقة لمصالحها، بين كل من روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية، آخذين بعين الاعتبار المصالح الحيوية والاستثمارية والحدود المشتركة مع كل من روسيا والصين، وتهديد طالبان بالانتقام من الدول التي تستضيف القوات الأميركية المنسحبة، بالاضافة الى الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بأمن حلفائها خاصة بعد تخليها المفاجئ عن أفغانستان وترك المتعاملين مع قوات الناتو لمصيرهم.

وهكذا، تبحث الولايات المتحدة الأميركية إمكانية إبقاء قواتها في المنطقة لاحتواء الروس والصينيين، لكن دون هذا الهدف صعوبات عديدة، وفي هذا الإطار هناك سيناريوهات ثلاث:

-        أن تضغط روسيا والصين على الدول المجاورة لمنع الولايات المتحدة من تأسيس قاعدة عسكرية لها في منطقة آسيا الوسطى، وهذا سيعتبر ضربة للاستراتيجية الأميركية في المنطقة وخطة احتواء الصين وروسيا، وتخلٍ عن منطقة حيوية وأساسية في الصراع الجيوبوليتكي العالمي.

-        أن تستطيع الولايات المتحدة إقناع إحدى الدول المجاورة بالقبول بتأسيس قاعدة عسكرية، وبالتالي إدخال تلك الدولة في صراع محاور سيسبب لها الكثير من عدم الاستقرار الداخلي. وبنتيجة الضغوط الروسية على تلك الدول، والتي يتقنها بوتين جيدًا، تقوم تلك الدول بداية باستضافة القوات الأميركية ثم تقوم فيما بعد بابتزاز الأميركيين تحت وطأة المطالبة بالانسحاب، كما حصل مع قيرغستان في السابق (على سبيل المثال لا الحصر)، وبالتالي سيسبب هذا الأمر قلقاً لإدارة بايدن التي ستضطر للتعاون مع مجموعة من الحكام الديكتاتوريين ما سيقوّض ادعاءات بايدن الايديولوجية (الديمقراطية مقابل الديكتاتورية).

-        أن يتعاون الأميركيون مع بوتين، للسماح لإحدى الدول المجاورة لأفغانستان (طاجيكستان أو أوزبكستان) باستقبال قاعدة أميركية على أرضها، وهذا من الصعب على بوتين القبول به، إلا في حال قدم الأميركيون اغراءات لروسيا بمكاسب في أماكن أخرى، ووعود بعدم استخدام تلك القواعد للمسّ بالامن القومي الروسي، فهل يمكن للأميركيين دفع مثل هذا الثمن؟. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق