2023/11/16

القرار 2712: كيف أعطى مجلس الأمن "إستراحة لإسرائيل"؟

اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2712 الذي يدعو إلى هدنٍ إنسانية وممرات عاجلة وممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة "لعدد كافٍ من الأيام"، لتمكين الوصول الكامل والعاجل والآمن ومن دون عوائق للمساعدات الإنسانية، ودعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن كل الرهائن الذين تحتجزهم حماس والمجموعات الأخرى.

 

ولقد نجح مجلس الأمن الدولي في محاولته الخامسة لاعتماد مشروع قرار منذ الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر، إذ لم تستطع الدول الأعضاء التوافق سابقاً على صيغة مناسبة لصدور قرار يؤدي إلى وقف إطلاق النار، بسبب تباين المواقف.

 

 وكانت كلّ من روسيا والولايات المتحدة الأميركية، قد تباينتا على الهدف والصيغة التي يجب أن يصدر بهما القرار، حيث طالب الروس بهدنة دائمة تؤدي إلى وقف إطلاق النار، بينما طالبت الولايات المتحدة الأميركية بـ "هدن إنسانية محدودة"، مشروطة بـ "إدانة حماس" وإدراج بند يتضمّن "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها" والذي يعتبر مسّاً بقواعد القانون الدولي بشكل صارخ.

 

وندرج في ما يلي بعض الملاحظات الأساسية على القرار والتصريحات الدولية التي سبقته:

 

دعا إلى "استراحة" إسرائيلية

يشترط القانون الدولي الإنساني، وبحسب اتفاقيات جنيف، بأنه "حيثما تسمح الظروف بذلك، يتمّ الترتيب لهدنة أو تعليق لإطلاق النار، أو اتخاذ ترتيبات محلية، للسماح بنقل وتبادل الجرحى أو المرضى نتيجة القتال".

 

وفي هذا الإطار، تتباين توصيفات وقف الأعمال الحربية وتتدرّج عملياً، فهناك الهدنة في المرتبة الأدنى، ثم وقف الأعمال العدائية، وأعلاها يأتي وقف إطلاق النار، التي يمكن أن يأتي بعده توقيع اتفاقيات سلام في حال توصّل الأطراف لذلك.

 

بالرغم من أن موقع الأمم المتحدة باللغة العربية، أدرج أن القرار 2712 دعا إلى " إقامة هُدنٍ وممرات إنسانية عاجلة ممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة"، لكن عملياً هناك خلط في التوصيف القانوني لكلمة "هدنة" باللغة العربية. علماً أن القرار باللغة الإنكليزية تحدّث عن "pauses" وليس "armistice" والتي يتمّ تعريفها بأنها هدنة أيضاً.

 

آخذين بعين الاعتبار أن التعبير الثاني يشير إلى اتفاقية عسكرية، الغرض الأساسي منها هو تعليق الأعمال العدائية على مسرح الحرب بأكمله، عادة لفترة غير محدّدة من الزمن، فإن القرار استخدم مصطلح الهدنة بمعناه الأول والذي تفرضه المتطلبات الإنسانية. وهكذا، يكون ما دعا إليه مجلس الأمن في القرار 2712، أقرب إلى "استراحة" إسرائيلية pauses، أكثر مما هي "هدنة" حقيقية.

 

أعطى "إسرائيل" ما تطلبه

على الرغم من اعتراض ممثّلة الولايات المتحدة وممثّل "إسرائيل" على نص القرار وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، إلا أن القرار يعطي "إسرائيل" كلّ ما تطلبه عملياً.

 

- ذكر "حماس" بالاسم، ودعا إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس وغيرها من الجماعات والمجموعات الفلسطينية الأخرى"، وهو ما تطلبه "إسرائيل" حرفياً.

 

- قام القرار بتجهيل الفاعل حين ذكّر "بضرورة احترام جميع الأطراف الالتزامات بالقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين"، فهو لم يذكر "إسرائيل" بالاسم، بل إن عبارة "جميع الأطراف" ساوت عملياً بين الضحية والجلّاد، وساوت بين ما تقوم به "إسرائيل" من قصف منهجي وقتل متعمّد في قطاع غزة، وأعمال المقاومة التي تقوم بها الفصائل الفلسطينية.

 

- في عبارته "يهيب القرار بجميع الأطراف الامتناع عن حرمان السكان المدنيين في غزة من الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة بما يتفق مع القانون الدولي الإنساني".

 

يوحي هذا النص وكأن هناك أطرافاً أخرى غير "إسرائيل"، تعمل على حرمان المدنيين من الخدمات الأساسية، وهذا يعني أن القرار تبنّى الادعاءات الإسرائيلية بأن "حماس تمنع المساعدة عن أهل القطاع، وأنها تصادر المساعدات الإنسانية".

 

أغفل "عدم مشروطية" أعمال الإغاثة

أتى القرار محدوداً في الزمان والمكان وحتى الأهداف المنشودة منه، ولم يدرج أيّ آلية تطبيقية واضحة، ولا ذكر من هي الجهة التي ستراقب تطبيق تلك الهدن وإدخال المساعدات، وما الذي يترتّب على خرقه.

 

ولقد تحسّب القانون الدولي الإنساني دائماً، من خطر أن يتم استخدام عمليات الإغاثة وتأمين المساعدات التي يتم التفاوض عليها في سياق الهدن أو وقف إطلاق النار "كورقة مساومة" من قبل أطراف النزاع، وذلك للحصول على تسويات سياسية أو عسكرية خاصة من الطرف الأقوى والذي يملك القدرة على السيطرة على منطقة معينة، ذلك أصرّ القانون على أنه "لا ينبغي أن تكون المساعدة الإنسانية مشروطة".

 

وعليه، وبما أن القرار أتى خالياً من أيّ آليات تطبيقية، ولم يذكر الجهات المنوط بها تنفيذه، ولا المترتّبات على "إسرائيل" في حال خرقه، فعلى المنظمات الإغاثية أن تعي خطر أن لا تلتزم "إسرائيل" بتلك الهدن، أو تخرقها أو تقصف المساعدات أو تغتال الفرق الإغاثية (بالخطأ أو للاشتباه-كما تدّعي دائماً). 

x

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق