2023/11/09

تحذيرات هوكشتاين في بيروت: الحسابات الاسرائيلية واللبنانية


لم تكتفِ الإدارة الأميركية بالتهديدات التي تمّ توجيهها إلى لبنان لعدم دخول حزب الله الحرب لمساندة الفلسطينيين في غزة، والتي تمّ إيصالها سابقاً عبر السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، أو عبر التصريحات الرسمية التي صدرت من الرئيس جو بايدن في أعقاب وصول حاملات الطائرات الأميركية إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، بل أرسلت الموفد الأميركي (الإسرائيلي) عاموس هوكشتاين إلى لبنان، لإيصال المزيد من رسائل التهديد الأميركية لحزب الله ومعه لكلّ لبنان.

 

وكان الجواب اللبناني على التهديدات الأميركية السابقة ضمن إطارين: رسميّ حكوميّ، وعبر السيد حسن نصر الله، الذي أعلن صراحة أن التهديدات لا تخيف لبنان، وأن حزب الله أعدّ العدة المناسبة للتعامل مع حاملات الطائرات في البحر الأبيض المتوسط.

 

ولا شكّ، أن كلّاً من الأميركيين، والإسرائيليين واللبنانيين، لديه حساباته في موضوع توسّع الصراع وامتداده إلى لبنان، وذلك على الشكل الآتي:

 

 الحسابات الأميركية-الإسرائيلية

يخشى الأميركيون والإسرائيليون فعلاً لا قولاً دخول حزب الله المعركة وتوسّع الحرب، بحيث تفتح جبهات متعدّدة على "إسرائيل"، وهي التي لم يستطع "جيشها" خلال أكثر من شهر الدخول برياً إلى غزة، أو تحقيق أي انتصار ميداني، باستثناء ارتكاب المجازر التي أخرجت العالم للتظاهر رفضاً للإبادة الجماعية في غزة.

 

كذلك، لا يريد الأميركيون أن تتوسّع دائرة الصراع لتمتدّ إلى الإقليم، وذلك لأنّ تمدّدها سيكون كارثياً على المنطقة ككلّ، وعلى استراتيجية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي وضعت نصب عينيها، تحقيق الاستقرار في المنطقة، لتتفرّغ للتهديدات الاستراتيجية المتأتية من صعود قوى كبرى كالصين وروسيا.

 

ولا شكّ أن اشتعال حرب إقليمية كبرى سيرتّب انخراطاً عسكرياً أميركياً، سيؤدي إلى تعرّض المصالح الأميركية للخطر في المنطقة. وكان الرئيس بايدن يمنّي النفس بتحقيق اتفاقية تطبيع بين المملكة العربية السعودية، و"إسرائيل"، ليحقّق بذلك "صفقة العمر" فيستثمرها في الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس المقبلة عام 2024.

 

وحده نتنياهو وأركان الحرب الإسرائيلية يودّون توسّع الصراع إلى حرب إقليمية في المنطقة، لأنّ هذا سيستدعي تدخّلاً أميركياً وغربياً، ويحوّل الأنظار عن الفشل العسكري والاستراتيجي الذي منيت به "إسرائيل"، ويحوّل الصراع إلى دائرة أوسع. حينها، قد يستطيع أن يفلت نتنياهو من المسؤولية، خاصة في ظل اشتداد الضغوط السياسية الداخلية عليه للاستقالة، والضغوط على "الجيش" الإسرائيليّ لتحقيق "انتصار ما"، يتمّ استثماره لتحقيق مكاسب سياسية من هذه الحرب العدوانية على غزة.

 

الحسابات اللبنانية

لا شكّ أن حزب الله، وفي معرض تقييمه لردود الفعل وللانخراط العسكري في حرب واسعة مع "إسرائيل"، يأخذ بعين الاعتبار الوضع اللبناني الاقتصادي والاجتماعي والطبّي، وقدرة الصمود اللبنانية في أيّ حرب مقبلة بين لبنان و"إسرائيل"، ولكن الحسابات أيضاً تتوسّع لتشمل ما يلي:

 

أ‌-التطورات الميدانية في غزة، وقدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود وعلى تكبيد الإسرائيلي خسائر كبرى في الحرب البرّية التي يشنّها على القطاع، وهو ما أعلنه السيد حسن نصر الله، ووسّعه إلى هدف "انتصار حماس" وليس فقط عدم السماح بهزيمتها في غزة.

 

ب-توسّع العدوان الإسرائيلي على لبنان (وهو خط أحمر ذكره السيد حسن نصر الله أيضاً).

 

بالنسبة للبنان، لا ينبغي أن يمرّ أيّ عدوان إسرائيلي على لبنان مرور الكرام، فلبنان معنيّ بعدم التخلّي أو التنازل أو التراجع مطلقاً عن قواعد الاشتباك التي تمّ تكريسها عبر سنوات من المقاومة ضد "إسرائيل"، والتي أدّت إلى مراكمة قوة الردع التي حقّقها في وجه العدوان الإسرائيلي المستمر منذ منتصف القرن الماضي.

 

لقد دفع اللبنانيون أثماناً باهظة لتحقيق الردع مع "إسرائيل"، ولتحديد قواعد اشتباك واضحة ومحدّدة، تدفع الإسرائيلي إلى التفكير ملياً قبل شنّ أي هجوم على لبنان، وعليه، لبنان لن يقبل بالتنازل عنها، مهما ارتفعت حدّة التهديدات الإسرائيلية والأميركية.

 

ج-عدم إعطاء "منفذ" لنتنياهو ليخرج من المأزق السياسي والعسكري الذي وجد نفسه فيه. فبالتزامن مع زيارة هوكشتاين، ومع التهديدات الأميركية التي تحذّر من تصاعد النزاع وتوسّعه، قصفت "إسرائيل" سيارة مدنية لبنانية، راح ضحيتها 4 شهداء، من بينهم ثلاثة أطفال، في تصعيد مقصود ومتمادٍ، لجرّ حزب الله إلى ردّ فعل، يستهدف منه نتنياهو توسيع الصراع وتمدّده إلى لبنان.

 

د-يعرف حزب الله ومعه اللبنانيون، أن "إسرائيل" (وبدعم أميركي) تضع نصب عينيها، التخلّص من المقاومة الفلسطينية في غزة، لتنتقل إلى لبنان لـ "تنهي حزب الله" وتتخلّص من التهديد الذي يأتيها من الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة (بحسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية).

 

ولعل ما قاله هوكشتاين خلال زيارته إلى بيروت، بضرورة العمل على منع توسّع الصراع، وضرورة الالتزام التام بتطبيق القرار 1701، يعكس رغبة أميركية واضحة بعدم الانخراط بالحرب، والتوصّل (في حال نجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها) إلى فرض تطبيق البند المتعلق بخلو منطقة جنوب الليطاني من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة عدا تلك التابعة للجيش اللبناني واليونيفيل، أي إنهاء أي مقاومة تردع "إسرائيل" في الجنوب اللبناني.

 

بالنتيجة، مهما كان من أمر الأهداف التي يضعها الأميركيون والإسرائيليون للحرب العدوانية الإسرائيلية، تبقى الكلمة للميدان، الذي يحكم النتائج والأهداف السياسية التي يمكن تحقيقها على أي طاولة مفاوضات أو تسوية مفترضة لوقف إطلاق النار.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق