2024/02/10

عودة الانخراط الاميركي في الشرق الاوسط: مَن المستفيد؟

 

في السنة الاولى لرئاسة جو بايدن، ناقش مسؤولو الادارة موضوع تخفيف الانخراط في الشرق الاوسط، وذلك لتحويل الاهتمام والموارد الى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لاحتواء التهديد المتزايد للصعود الصيني العالمي.

وبعد حرب أوكرانيا، وجد الاميركيون أن حلفاءهم في المنطقة، وخاصة الخليجيين، لم يلتزموا بالعقوبات على روسيا، وكانوا حذرين من الاستمرار في الاتكال على الولايات المتحدة في ضمان أمنهم، وكجزء من استراتيجية "التحوط الاستراتيجي"، كانوا منفتحين على البحث عن شراكات مع روسيا أو الصين. وعلى هذا الاساس، ردد الكثير من المسؤولين الاميركيين أن الولايات المتحدة لن تغادر المنطقة، وأكد العديد منهم، ومنهم الرئيس جو بايدن خلال زيارته للمنطقة، أن الولايات المتحدة باقية وهي ملتزمة بأمن حلفائها.

وفي ايلول/ سبتمبر من عام 2023، أوضح مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان الأهداف الإقليمية للإدارة؛ وهي خفض الضغط وتخفيف التصعيد ودمج دول المنطقة الحليفة للأميركيين في منطقة الشرق الأوسط في نهاية المطاف. وللقيام بذلك، ركزت الإدارة على ثلاثة مجالات سياسية: تعزيز التكامل الاقتصادي، احتواء إيران، وتشجيع التطبيع العربي الإسرائيلي.

وعلى هذا الأساس، اعتقدت الادارة الأميركية أن السلام والاستقرار يمكن أن يتحقق في المنطقة، عبر دمج اسرائيل والدول العربية في مشاريع اقتصادية، وعبر اتفاقيات تطبيع تشجع التعاون بينها. تجاهلت الادارة الأميركية الحالية والسابقة كلياً الموضوع الفلسطيني، وساد اعتقاد لدى العديد من السياسيين في الولايات المتحدة والمنطقة، أن السلام يمكن أن يتحقق بمعزل عن اعطاء الفلسطينيين حقوقهم.

لقد أثبتت حرب غزة الاخيرة، أن هذا التجاهل كان خاطئاً ومكلفاً أيضاً. لقد أدّت حرب غزة الى إعادة انخراط الاميركيين بقوة في الشرق الاوسط، وعطلت قدرتهم على التوجه نحو الصين لاحتوائها. بالاضافة الى أن الهدف الاميركي باحتواء ايران قد انقلب رأساً على عقب، وذلك بعدما أدّت حرب غزة الى تقارب عربي اسلامي، ولادانة واسعة للمجازر الاسرائيلية في غزة، والدعوة الى حل عادل للقضية الفلسطينية.

لقد راهن الاميركيون على أن التفاهم السعودي الايراني لن يعمّر طويلاً، ومؤحراً قال مسؤول البيت الأبيض، جون كيربي، أن السعودية منفتحة على التطبيع مع اسرائيل بغض النظر عن وقف النار في غزة وحقوق الفلسطينيين. لكن الردّ أتى واضحاً من وزارة الخارجية السعودية، ليجزم أن السعودية لن تقيم علاقات مع اسرائيل إلا بعد تحقيق الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وفي هذا الامر، عودة للسعودية الى مبادرة بيروت عام 2002، وهي التي كانت قد غضت النظر عنها خلال مشاورات التطبيع قبل حرب غزة.

وهكذا، تعود عقارب الساعة الى الوراء. ويجد الأميركيون أنفسهم معنيين بإعادة الانخراط العسكري والسياسي والدبلوماسي في المنطقة لحماية اسرائيل. فمن المستفيد من إعادة الانخراط الاميركي؟

1-  في البداية، لا شك أنها الصين:

منذ إدارة باراك أوباما، وبغض النظر عن الحزب السياسي الذي يحكم في البيت الأبيض، ينظر الأميركيون الى الصين على أنها منافس استراتيجي وتهديد للقوة والهيمنة الاميركية على العالم.

ويعتبر الاميركيون الصين المنافس الأساسي على المدى الطويل وتشكل تهديداً متعاظماً ومتسارعاً، كما  قالت وزارة الدفاع الأميركية. ولمنع الصينيين من السيطرة على صناعات التكنولوجيا الفائقة مثل تصنيع أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، شنّت الولايات المتحدة حربًا اقتصادية ضد الصين.

وعليه، إن الانخراط الأميركي في الشرق الاوسط، سوف يؤخّر توجههم نحو آسيا. وبالمقابل، إن أي تأخير إضافي في التحول الأميركي نحو شرق آسيا من شأنه أن يمنح الصين أفضلية في جوارها، وقدرة على توسيع نفوذها والمضي قدماً في مبادراتها العالمية "مبادرة الطريق والحزام".

2-  في المرتبة الثانية روسيا:

لإضعاف روسيا ومساعدة أوكرانيا على هزيمتها واستنزافها كانت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يخوضان حربًا بالوكالة ضد روسيا منذ شباط/ فبراير من عام 2022. وبالرغم من الدعم العسكري الغربي غير المحدود لم تكن الحرب تسير كما هو متوقع لها، وفشل الهجوم الأوكراني في الصيف (2023) في تحقيق تقدم عسكري.

وبالرغم من أن الاميركيين والاوروبيين مستمرين في دعمهم لاوكرانيا، إلا أن تحويل الاهتمام العالمي من أوكرانيا الى فلسطين، سوف يسمح للروس باستمرار عمليتهم العسكرية بهدوء، بالاضافة الى أن المقارنة بين القضيتين يكشف زيف الادعاءات الغربية حول حقوق الشعوب، ويكشف ازدواجية المعايير الغربية، وهذا يفيد الروس بلا شكّ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق