2024/03/01

الوجه الآخر للحرب الاسرائيلية على لبنان

منذ السابع من تشرين الأول /اكتوبر لم تتوقف التهديدات الاسرائيلية بشنّ حرب على لبنان، لإقامة منطقة عازلة ولإبعاد حزب الله عن الحدود كما يحد الاسرائيلي في الأهداف التي يرمي اليها من تلك الحرب. ومؤخراً، نقلت شبكة "سي أن أن" عن مسؤولين في الإدارة الأميركية أن هناك قلقاً أميركيا من خطط اسرائيلية لتوغل في لبنان في الربيع أو الصيف القادم إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في دفع حزب الله إلى التراجع عن الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. ونقلت الشبكة عن مسؤول وصفته بالمطلع، إلى أن "الإدارة تعمل افتراضها حدوث عملية عسكرية إسرائيلية في الأشهر المقبلة". وأردف قائلاً: "ليس بالضرورة أن يحصل أن التوغل خلال الأسابيع القليلة المقبلة ولكن ربما في وقت لاحق من هذا الربيع".

ولا شكّ أن تلك التسريبات الاعلامية تحاول ان ترفد التهديد الاسرائيلي بتوغل برّي للضغط على لبنان لتقديم تنازلات، عبر حرب نفسية وإعلامية تهدف الى استخدام كل عناصر الضغط الخارجية العسكرية والدبلوماسية على لبنان، بالاضافة الى الضغط الداخلي السياسي والاجتماعي والاقتصادي لتحقيق أهداف الحرب بدون خوضها، وذلك تطبيقاً لمقولة شهيرة للمفكر العسكري الاستراتيجي الصيني صن تزو "في كتابه "فنّ الحرب"، أنَّ " فنّ الحرب الأسمى هو إخضاع العدو من دون قتال".

ولفهم ما تقوم به إسرائيل من حرب غير تقليدية بالتوازي مع الحرب العسكرية، يجب الاشارة الى الأبعاد المتعددة التي تستخدمها اسرائيل في تلك الحرب، وهي:

‌1- البعد الإدراكي:

يضمّ هذا البعد الأشخاص التي تبث الشائعة أو الخبر او التهديد، وتلك التي ترسلها، والتي تتجاوب معها وتنقلها. وهذا البعد يركّز على فهم المجموعات والبيئات اللبنانية المتعددة، والتي تختلف وتتباين بحسب التصورات والمفاهيم والمعتقدات التي تعتنقها. وعلى هذا الأساس، يركّز الاسرائيلي على السياقات الثقافية والدينية والتاريخية للمجموعات اللبنانية، لتسويق السردية الاسرائيلية التي تناسب تلك البيئة فتنقلب على حزب الله، أو لترهيب بيئة المقاومة أو لجعل هذه البيئات جميعها مشاركة في الحرب النفسية الاسرائيلية على حزب الله.

يتطلب النجاح في هذا البعد فهمًا للجمهور المستهدف، واختيار الأساليب الأمثل والمفردات المناسبة والشخصيات التي يمكن لها اختراق العقل الجمعي للجمهور، حيث يكون لكل بيئة وجمهور، مفرداته، وسائله وأشخاصه الحقيقيين أو الافتراضيين الذين يستطيعون الوصول إليه وتوزيع المعلومات التي تكون أحياناً مضللة، أو كاذبة أو جزءًا من الحرب النفسية الاسرائيلية.

2- البعد المعلوماتي

وهو البعد الذي يحتوي على الداتا والصور والمعلومات، والذي تقوم فيه اسرائيل بتحديد المعلومات والرسائل التي تريد بثها سواءً مباشرة أو عبر وكلائها وعملائها داخل وخارج لبنان. وفي هذا البعد أيضاً تعمل اسرائيل على جمع المعلومات من وسائط متعددة، سواء لفهم الجمهور أو للحصول على معلومات حساسة تستخدمها في حربها  العسكرية ضد حزب الله، وفي حربها النفسية ضد اللبنانيين.

3-  البعد الاعلامي- وسائل التواصل والإعلام التقليدي

يلعب الإعلام دوراً أسياسيًا في الحرب غير التقليدية التي تقوم بها اسرائيل سواءً ضد لبنان أو ضد الفلسطينيين في غزة. وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً فعّالاً  في تلك الحرب والتي تستطيع من خلالها اسرائيل اختراق البيئات المحتلفة، والتخفي تحت أسماء مستعارة، والوصول الى الجمهور بطريقة أسهل مما يمكن الوصول إليه عبر وسائل الإعلام التقليدي.

ولا شكّ أن اسرائيل وعبر التطور التقني والتكنولوجي، تتقن استخدام العالم الافتراضي لتطبيق ما يسمى "الهندسة الإجتماعية" والتي تستخدمها لاستهداف الافراد والمجتمعات ثقافياً وسياسياً، وتحاول من خلالها أن تمارس حرباً نفسية على اللبنانيين والفلسطينيين والعرب، للتشكيك في جدوى المقاومة، وإضعاف الروح المعنوية للأفراد والمجموعات.

لكن تجدر الاشارة الى أن اسرائيل لم تعد تحتكر هذا المجال، فلقد أظهرت حرب غزة الاخيرة أن هذا وسائل التواصل الاجتماعي لعبت في هذه الحرب دوراً فعالاً ضد الدعاية الاسرائيلية وكشفت زيف تلك السردية وكشفتها أمام الرأي العام العالمي.

في المحصلة، لا بد للبنانيين والعرب معرفة هذه الأبعاد التي يمكن أن تستخدمها اسرائيل للتأثير على وعيهم الجمعي والفردي، وللتأثير عليهم ودفعهم الى الانهيار الإدراكي والذي تكون معه الهزيمة من الداخل قبل أن تكون عسكرياً من الخارج.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق