2024/03/23

ازدهار "مقاولو المعلومات" في الحرب الإسرائيلية على لبنان

 

تُعرّف حرب المعلومات بأنها استخدام تكنولوجيا الاتصالات واستخدام المعلومات للتأثير على العدو وبيئته وقدرته على اتخاذ القرار، وتشمل تلك الحرب مجموعة واسعة من النشاطات، مثل الحرب النفسية والخداع العسكري والحرب الإلكترونية ونشر معلومات كاذبة أو مضلّلة للتأثير على الرأي العام، أو لزرع الارتباك، أو للتأثير ودفع بيئة العدو إلى الانهيار الإدراكي.

تقوم حرب المعلومات على الإنترنت بشكل أساسي باستخدام الدعاية السياسية ونشر الأخبار المفبركة أو المضللة. وهذه لا تقوم بشكل عشوائي اعتباطي بل ضمن خطة استراتيجية متقنة توضع بناءً على فهم دقيق وإدارة تدفّق المعلومات، والذي يقوم على فهم مختلف الجهات الفاعلة وأهدافها، فضلاً عن دراسة واعية ومعمّقة للبيئات المستهدفة بها، ويشمل ذلك تحليل مصادر المعلومات والقنوات المستخدمة، وكذلك الجمهور المستهدف.

وعلى هذا الأساس، نلاحظ أنّ "إسرائيل" تشنّ حرب معلومات شرسة على لبنان، مستخدمة كل أدوات التأثير ووسائل التواصل واللعب على الوتر المذهبي والطائفي اللبناني، وتحريض المجموعات على بعضها وإدخال الدين عنصراً أساسياً في ذلك، إضافة إلى دغدغة عواطف واستثارة غرائز بعض الفئات اللبنانية التي خرجت من الحرب مهزومة وتسعى بشتى الوسائل إلى استعادة دور لها في النظام بعد خسارته، أو تلك التي يمكن استثارتها غرائزياً وطائفياً لشيطنة كلّ مختلف طائفياً ودينياً، لحدّ التوصّل إلى تكفيره.

الوسائل

أمّا أهم الوسائل التي تستخدمها "إسرائيل" في حرب المعلومات ضدّ لبنان، فتتجلّى بالآتي:

أ‌- العمليات النفسية: وتعني استخدام التواصل الاجتماعي والإنترنت للتأثير على مشاعر الأفراد والجماعات وإقلاقهم عبر تحديد مواعيد لهجوم عسكري إسرائيلي على لبنان، وتوزيع مقالات تهدف إلى زعزعة ثقة اللبنانيين بقوّتهم وغير ذلك من استخدام الناشطين على وسائل التواصل لمهاجمة كل شخص أو جهة تتحدث عن قوة لبنان، وتسخيف أيّ إنجاز.

ب‌- الأخبار المفبركة أو المعلومات المضلّلة للتأثير على الرأي العام أو صنع القرار. ويمكن أن يختلف هدف هذه العمليات من جمع المعلومات الاستخباراتية أو تشويه سمعة الأعداء أو إنشاء روايات كاذبة للتلاعب بالرأي العام، أو استغلال الانقسامات الثقافية أو الاجتماعية أو الطائفية وهو ما يحصل بشكل كبير في لبنان.

ومؤخّراً، بدأت تلك الحملات بالادّعاء أنّ "إسرائيل رابحة في هذه الحرب" عبر إقامة مقارنات بين أعداد الضحايا اللبنانيين وأعداد القتلى الإسرائيليين، والزعم أن المناطق المحاذية للبنان في فلسطين المحتلة لم تتأثّر بقصف حزب الله، بينما القرى الجنوبية في لبنان قد دمّرت بالكامل وتضرّرت و "سويّت بالأرض". مع التنويه أنه لو كان ما يدّعيه أولئك الناشطون صحيحاً لما تردّدت "إسرائيل" في اجتياح لبنان كما فعلت مراراً في العقود السابقة.

هذا مع العلم أيضاً أن "إسرائيل" تقوم بإخفاء العدد الحقيقي للقتلى الإسرائيليين، ومراقبة المحتوى المنشور على الإنترنت عبر ما يسمّى الرقابة العسكرية. إن الاطلاع على ما يكتبه الإعلام الإسرائيلي يوضح حجم المأزق الذي تعانيه "إسرائيل" على الحدود مع لبنان، والذي يدفعها إلى "تفضيل الخيار الدبلوماسي مع لبنان" كما صرّح عدد من المسؤولين الإسرائيليين.

من ينفّذ تلك الحرب؟

أ‌-مقاولو المعلومات:

استناداً إلى ما يكشفه العلم عن حرب المعلومات، فالأكيد أنّ الكثير من هذه الدعاية التحريضية عبر الإنترنت لا يتمّ إنشاؤها بشكل عشوائي على وسائل التواصل الاجتماعي، بل أن هناك من يسمّى "مقاولو المعلومات المضلّلة" والذين يعرضون خدماتهم على شبكة الإنترنت المظلمة للحكومات والجيوش والمجموعات الذين يتطلّعون إلى شن حملات واسعة النطاق ضد أعدائهم أو خصومهم.

داخل هذه الشبكة المظلمة، يقوم أولئك "المقاولون" الذين يطوّرون وينشرون معلومات كاذبة ومضللة بتجربة الرسائل واختبار الردود التي يتلقّونها عليها، وتوزيعها على مجموعات الناشطين للتعاون في المراسلة وتحديد الصور والتوقيت والاستهداف لتحقيق أفضل النتائج ضد العدو.  

ب‌-تستخدم هذه المجموعات والحكومات ما يسمّى " troll farms " والتي تُنشر عبرها معلومات مضللة من خلال ملفات شخصية وحسابات مزيّفة تبدو أنها مملوكة لأشخاص حقيقيّين، والهدف منها تضخيم (مزيّف) للأفكار السياسية.

يمكن الإشارة إلى مثال حيّ لبنانياً، كالفكرة التي يتمّ تسويقها مؤخراً حول تباين "مسيحيي" تحديداً مع حزب الله، واستخدام تلك الحسابات لخلق فتنة "مسيحية شيعية"، انجرّ وراءها العديد من الناشطين اللبنانيين من كلا الطرفين في ردود وردود مضادة، بما يوحي وكأنّ ما تعكسه وسائل التواصل من حقد وانقسام هو واقع الناس على الأرض، وهذا غير صحيح.

لقد أدى التطوّر السريع للتكنولوجيا وتطوّر الإنترنت، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي إلى تسهيل قيام الأفراد والجماعات بهذه العمليات بتكلفة منخفضة، حتى مشاركة أشخاص فيها بمحض إرادتهم من دون أن يتمّ الدفع المادي لهم، بل هم فقط تدفعهم عوامل نفسية أو طائفية أو سياسية، مما يجعل تحديد هذه العمليات ومواجهتها أمراً صعباً بشكل متزايد.

ج-روبوتات الذكاء الاصطناعي:

 تعتمد هذه الحرب على روبوتات الذكاء الاصطناعي المبرمجة لنشر روايات معيّنة أو كلمات أو عبارات رئيسية، فتعمل تلك الروبوتات "الفيروسية" على تضخيم انتشارها عبر إعادة نشرها، وهذا بدوره يشجّع محركات البحث وخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي التي تستفيد من المنشورات الشعبية والتعليقات الاستفزازية لمنحها أهمية أكبر.

في النتيجة، إن أبرز ما يميّز هذه الحرب التي تخاض اليوم على وسائل التواصل، أن حسابات إسرائيلية مزوّرة وأخرى عميلة ومتعاملة معها، تشنّ هجومات عبر الإنترنت على كل ما يمكن أن يُظهر قوة لبنان ووحدته، أو يدعو إلى الاتحاد في وجه التحديات التي تواجه اللبنانيين، لكنّ الأخطر انخراط بعض الحسابات الصحيحة في تلك الحملة المبرمجة وقد يكون بقصد أو بغير قصد ومن دون أن تعرف أنها باتت أدوات في تلك الحرب الإسرائيلية على لبنان.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق