2024/03/08

كيف يصنّف القانون الدولي حرب التجويع الاسرائيلية على غزة؟

وصف المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري في جلسة لمجلس حقوق الانسان هذا الاسبوع، استخدام إسرائيل لحملة التجويع ضد الشعب الفلسطيني في غزة بأنه "إبادة جماعية.  وقال"عندما اندلعت الحرب، رأينا الناس يعانون من الجوع بطرق غير مسبوقة. لم نر قط أي مجتمع يعاني من الجوع بهذه السرعة. والآن ما نراه هو المجاعة. ويموت الأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف”.

وذكّر فخري بأن إسرائيل قطعت إمدادات المياه عن غزة مباشرة بعد بدء الحرب في 8 تشرين الأول/ أكتوبر، وقال إن غزة محاصرة بالكامل  منذ 9 تشرين الأول/ أكتوبر. وأضاف: "لم نشهد قط أطفالاً يُدفعون نحو سوء التغذية بهذه السرعة في أي صراع في التاريخ الحديث".

كيف ينظر القانون الدولي الى التجويع الاسرائيلي للفلسطينيين؟

1-  التجويع في القانون الدولي لحقوق الإنسان:

يذكر القانون الدولي لحقوق الانسان بشكل واضح وصريح "حق الانسان في الغذاء"، وتؤكد المادة 25 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، على "حق كل فرد في مستوى من المعيشة يكفي للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، بما في ذلك المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية".

كما أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المواد 11 و2)  على هذا الحق وعلى اعتراف وتعهد الدول بالعمل على الحفاظ على هذا الحق. أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المواد 6) فينص على "الحق الأصيل في الحياة لكل إنسان، حيث يجب حماية هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً" ومنها يتفرع عدم جواز تجويع الاشخاص أو تعريضهم لما يمكن أن يحرمهم الحق في الحياة تعسفاً.

وتنص المادة 1.2 (المشتركة بين العهدين) على أنه " لا يجوز بأي حال من الأحوال حرمان أي شعب من وسائل عيشه الخاصة"، ما يعني عدم جواز ما تقوم به اسرائيل في غزة من حصار ومنع السكان من القدرة على تحصيل وسائل العيش، بالاضافة الى عدم جواز قيامها باستخدام الفوسفور الابيض الحارق للتربة بهدف منع سكان غزة في المستقبل من امكانية الزرع وانتاج الغذاء.

 

2-  التجويع في القانون الدولي الإنساني:

في عام 1919، أدرجت لجنة المسؤولية الدولية بعد الحرب العالمية الأولى، "التجويع المتعمد للمدنيين" كانتهاك لقوانين وأعراف الحرب التي تؤدي الى الملاحقة الجنائية لمن يرتكبها. وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يعتبر "تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب" جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية.

أ‌-     القاعدة 53 من القانون الدولي العرفي من القانون الدولي الانساني، أو يُعرف بقانون النزاعات المسلحة، تنص على ما يلي: "يُحظر استخدام تجويع السكان المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب."

ويشترط القانون الدولي الانساني على الدول ضرورة احترام هذه القاعدة باعتبارها قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي المطبقة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. ويرد حظر التجويع كأسلوب من أساليب الحرب في البروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف الاربعة. وبالإضافة إلى ذلك، ترد هذه القاعدة في صكوك أخرى تتعلق أيضًا بالنزاعات المسلحة غير الدولية، وفي الكتيبات العسكرية التابعة للجيوش النظامية.

ب‌-  القواعد 54-55- 56 هي نتيجة طبيعية لحظر تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب.

تحظّر (القاعدة 54) مهاجمة الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، أما (القاعدة 55) فتحظّر منع وصول المساعدات الإنسانية المخصصة للمدنيين المحتاجين، بما في ذلك تعمد إعاقة المساعدات الإنسانية. بينما تعتبر (القاعدة 56) أن تقييد حرية حركة موظفي الإغاثة الإنسانية قد يشكل انتهاكًا لحظر التجويع.

 

ج- الحصار التجويعي

يميّز قانون النزاعات المسلحة بين الحصار الذي يهدف الى تحقيق أهداف عسكرية وبين تجويع المدنيين، فالأول ليس محظراً في القانون، بينما الثاني يعتبر جريمة حرب وقد يرقى الى مستوى الابادة.

وفي تطبيق هذا التمييز بين الحصار العسكري والحصار التجويعي على ما تقوم به اسرائيل في غزة، نشير الى أنه لا يمكن لاسرائيل أن تدّعي ان هدف حصارها هو تحقيق أغراض عسكرية بدليل انها تقول أنها أنهت قدرات المقاومة الفلسطينية في شمال القطاع، بينا تقوم بمنع المساعدات الغذائية عن السكان وتتعمد تجويعهم في تلك المناطق حيث تقوم باقفال المعابر وقصف شاحنات المساعدات، ما يعني أن الحصار هو تجويعي متعمد وليس حصاراً لأهداف عسكرية.

بالاضافة الى ذلك، إن اسرائيل بوصفها دولة احتلال تبقى مسؤولة عن الشعب المتواجد على الأرض التي تحتلها وبالتالي من المحظّر تجويعهم أو حرمانهم الحق في الغذاء.

 

في النتيجة، وبالرغم من وضوح النص حول حظر تجويع المدنيين ووجوده في القانون الدولي لحقوق الانسان، إلا أنه ليس هناك آليات للمحاسبة على خرق هذا الحق في ذلك القانون وتبقى آلياته ومبادؤه معنوية، وبالتالي لا يمكن الزام اسرائيل بها. ولكن، يمكن بالطبع محاسبة اسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني حيث أن مخالفة الدولة لالتزاماتها في حفظ هذه الحقوق خلال النزاعات المسلحة، يرتب مساءلة جنائية للأشخاص المسؤولين في الدولة عن ارتكابها وتسهيلها وإعطاء الأوامر لتجويع المدنيين.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق