2011/08/04

التدخل المستقبلي في الشؤون السورية.. أوهامه وحدود قدراته

تعود نبرة المستقبليين اليوم إلى الارتفاع، مع ارتفاع حدة المواجهات العسكرية في سوريا، ومع ارتفاع منسوب التوقعات برمضان مأساوي في سوريا، قد يؤدي إلى تدويل القضية وإلى مزيد من الضغوط على النظام السوري دولياً وعربياً.
ولئن كان المستقبليون "دعاة سيادة جدداً"، ومستفيقين متأخرين على دعوات إلى "لبنان السيد الحر المستقل"، تبدو دعواتهم اليوم مريبة، بما أنهم يعتبرون السيادة
والاستقلال اللبنانيين مرتبطين فقط بالدولتين السورية والإيرانية وعلاقتهما بلبنان، بينما يجوبون العالم بحثاً عن ضغوط خارجية سياسية واقتصادية على لبنان وشعبه، لتهديده بلقمة عيشه وأمنه وسلامه مقابل عودة مظفرة لهم إلى السلطة تبدو بعيدة المنال.
اليوم، لا تبدو الدعوات المستقبلية إلى التضامن مع الشعب السوري بريئة، خصوصاً في ظل مطالبات دائمة من قبل المستقبل وحلفائه بعدم تدخل سوري في الشؤون اللبنانية، وعدم فرض الإرادة السورية على لبنان، والغريب، التصريحات المستقبلية واللغة الاستعلائية لسعد الحريري، وكأنهم ينطقون باسم قوى عظمى تستطيع أن تأمر وتنهى، وتفرض شروطها في العلاقات الدولية.
فباسم من يتكلم الحريري؟ هل باسم تيار المستقبل وحلفائه، أم باسم لبنان وهم مجموعة أقلية في البرلمان اللبناني، خلعوا خلعاً من السلطة التي وصلوا إليها من خلال تزوير الإرادة الناخبة بالضغط والترهيب والترغيب وصرف المال والنفوذ؟
وبغض النظر عن الوهم الذي يعيشه حزب المستقبل حول حجمه ودوره، وحجم لبنان في المعادلات الإقليمية، من الأكيد أن التدخل اللبناني في الشؤون السورية الداخلية لن يفيد أحداً من اللبنانيين، وهو بطبيعة الحال لن يؤدي إلى تبدل موازين القوى في سوريا، فالدولة السورية ما زالت من القوة والتماسك بحيث تستطيع أن تحافظ على سيادتها ضد أي تدخل خارجي في شؤونها.
وفي تقييمنا للدول التي يمكن التدخل في شؤونها، ضمن نظريات "التدخل الدولي" ومفاهيمه الحديثة، نميز بين الدول وفقاً لعنوانين :
الأول.. يتعلق بالدول الممكن التدخل في شؤونها:
يبرز تحت هذا العنوان فئتان: دول يمكن التدخل في شؤونها، ونصنفها دولاً ضعيفة أو عاجزة أو محدودة القدرات، ودول لا تسمح بالتدخل في شؤونها، فسلطتها القائمة قادرة على منعه والحؤول دون إتيانه لمفاعيله، وهي الدول التي تمتلك القدرات الكافية لمنع التدخل، وتملك من الأوراق الاستراتيجية الهامة التي تجعلها لاعباً إقليمياً فاعلاً، ضمن هذا التصنيف، ما زالت الدولة السورية، ضمن الفئة الثانية التي تجعل من أي تدخل سياسي أو عسكري مباشراً كان أو غير مباشر، تدخلاً مكلفاً للقائمين به.
الثاني.. يتعلق بالجهة القادرة على التدخل:
وهنا نميز بين دولة تستطيع التدخل في شؤون الغير وتسمح لها قوتها بذلك، وبين دول لا تستطيع ولا تملك الإمكانيات والقدرات على التدخل في شؤون الدول الأخرى .
ومن خلال هذا التمييز وهذين العنوانين، نستطيع تصنيف الدول في العالم اليوم بين :
  1. دول لا يمكن أن يتم التدخل في شؤونها، ويمكنها التدخل في شؤون الآخرين بأحادية، وهي الدول العظمى كالولايات المتحدة الأميركية، بالرغم من أن أزمتها الاقتصادية وتعثرها في العراق وأفغانستان يحدان من قدراتها التدخلية وإمكانية فرض الإملاءات على الآخرين.
  2. دول لا يمكن أن يتم التدخل في شؤونها، لكنها لا تستطيع أن تتدخل في شؤون الآخرين، وهي الدول المتوسطة كالدول الصاعدة اليوم على الساحة الدولية.
  3. دول يمكن أن يتم التدخل في شؤونها، ولا تستطيع أن تتدخل في شؤون الآخرين، وهي الدول الضعيفة.
  4. ويبقى نوع أخير، تحاول بعض الدول الكبرى التوجه نحوه، وهو:
دول لا يمكن التدخل في شؤونها، وتستطيع أن تكون جزءاً من منظومة عالمية تدخلية من غير تفرد في العمل، وهو ما تحاول الدول الأوروبية اعتماده، بالرغم أيضاً من محاولات ساركوزي التوجه نحو الاستفراد الدولي، وبالرغم من أن الأزمة الاقتصادية الأوروبية، وتفشي التطرف بصعود اليمين ووصوله إلى البرلمانات الأوروبية، والتوجه نحو غرق في المستنقع الليبي سيدفع الأوربيين إلى إعادة النظر في سياساتهم التدخلية، ليكونوا أكثر حذراً في أي مغامرة تدخلية جديدة.
وضمن هذه التصنيفات، يدخل لبنان بإمكاناته ومحدودية قدراته العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، وعدم الانسجام بين مكوناته ضمن الفئة الثالثة بالتأكيد، أي من الدول التي لا تستطيع أن تتدخل في شؤون أحد، وباستطاعة الجميع التدخل في شؤونها.
من هنا، نرى أن المستقبل يدفع الأمور إلى الأسوأ من خلال تدخل مباشر وعلني وصريح ضد سوريا، ومحاولة زج لبنان من خلال استخدام أراضيه في إدارة المعركة ضدها، وهو إنما يزج بلبنان بمواقف خطيرة هو بغنى عنها، ولا طاقة له على احتمالها.
قد يكون عودة الهيجان المستقبلي ضد سوريا، لأنهم يمنون النفس بعزلة دولية لسوريا، أو قرار يصدر عن مجلس الأمن كالقرار الليبي، لكن ما لا يفهمه المستقبل وغيره من الحالمين، أن موازين القوى الدولية في مجلس الأمن ليست لصالح قرار كهذا، وحتى لو فرضنا أن الروس والصينيين وافقوا على قرار كهذا، فدول الناتو التي من المفترض أن ترسل أساطيلها لقصف سوريا، هي دول منهكة اقتصادياً، ومنهكة عسكرياً وسياسياً في المستنقع الليبي الذي لا يبدو باتجاه حل قريب، ومن يقرأ الصحف الأميركية والأوروبية ويطلع على مراكز الأبحاث المختلفة، يدرك أن الأوروبيين باتوا يفتشون عن حل للمأزق الذي وجدوا أنفسهم فيه في ليبيا، تمامًا كما تفتش الولايات المتحدة اليوم عن منفذ يخرجها من أفغانستان، ويحفظ مصالحها في العراق بعد مغامرات بوش التدخلية وسياساته التي أفلست الخزينة الأميركية وأنهكت الجيش الأميركي في "حرب على الإرهاب" لم تقضِ عليه بل زادته حدة وانتشاراً، والدليل ما حصل في النرويج الأسبوع المنصرم.
ليلى نقولا الرحباني*
*أستاذة مادة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدولية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق