2013/03/01

سقوط "الدولة اللبنانية"


الثبات - الخميس 28 شباط 2013
منذ انتهاء الحرب الأهلية ولغاية اليوم، لم يكن أي لبناني يتخايل أن يصل الحال في الدولة اللبنانية إلى ما وصل إليه اليوم، من قلق وهواجس أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية وغذائية..

وإن يكن الحال السياسي والاقتصادي والاجتماعي معروفاً ومتوقَّعاً في ظل دولة طوائفها أقوى من الدولة، ومسيرتها الاقتصادية والاجتماعية منذ التسعينات جعلتها جنة للمتموّلين وأصحاب رؤوس الأموال، منذ لحظة قرر الرئيس رفيق الحريري سياسة "الجنة الضريبية" وتصوير لبنان وكأنه "ملهى الخليج" ومتنفسه، لكن ما لم يكن يحسب له حساب هو هذا التسيب الأمني والفلتان الذي تعيشه البلاد، والذي وصل إلى درجة غير مسبوقة، يكاد يجاري الوضع الذي كان سائداً حين استبدت الميليشيات بأمن الوطن والمواطن، وعاثت في جسد الدولة نهشاً وفي حياة اللبنانيين ومصائرهم استبداداً.

هل بتنا في عصر سقوط الدولة ومن بعدها الكيان؟

نعم، سقطت الدولة عندما تسابق رئيس الحكومة ووزيره على خطب ودّ الإرهابي شادي المولوي، والذي ضُبط مؤخراً بحيازة وتهريب أسلحة، وخرج بطلاً مرة أخرى، لكن من دون أن يستخدم وزيراً "شوفيراً" له ولزوجته هذه المرة.

وسقطت الدولة بالضربة القاضية عندما انتصرت "جمهورية عرسال" على هيبة الجيش اللبناني، وظهر رئيس بلديتها أقوى نفوذاً وهيبة من رئيس الجمهورية اللبنانية، وحين ساومت تلك "الدولة" على هيبة وكرامة ضباطها، فاعتقلتهم تعسفياً لمجرد أن نائباً أصولياً يريد أن يزيح الجيش من عكار لمساعدة المسلحين السوريين على إقامة منطقة ينطلقون منها لتقويض استقرار الدولة السورية.

وسقطت الدولة في طرابلس وصيدا وبيروت؛ العواصم التي يدفع أهلها من حياتهم واقتصادهم وأمنهم ورزقهم وحياة أطفالهم ضريبة خشية رئيس الحكومة من "أن تشعر مجموعة بأنها مستهدفة".

ذلك الاستهداف الوهمي في صيدا التي يفتعل "أسيرها" كل يوم عراضات سلاح، واستفزازات مذهبية وطائفية، و"يكزدر" ومسلحيه متسلحين بغض نظر الحكومة وقواها الأمنية.

وأي استهداف وممّن في طرابلس التي يطلق المسلحون النار في وضح النار على وزير وموكبه بهدف قتله، ويقوم "كوماندس" بالهجوم على مستشفى لتحرير متّهم؟

سقطت وتسقط الدولة كل يوم، في ظل ازدهار تجارة الخطف والفدية، التي تروّع كل المواطنين في جميع المناطق اللبنانية، مع اعتماد الحكومة اللبنانية سياسة الأمن بالتغاضي ودفن الرؤوس في الرمال، ومسايرة أمراء الشوارع وقطّاع الطرق، أو بالوقوف على خاطر الخاطفين الواضحة أسماؤهم وعناوينهم وأرقام هواتفهم.

سقطت الدولة بالضربات المتتالية تحت شعار رئيس الحكومة "الخشية من الشعور بالاستهداف".

نعم، هناك استهداف.. لكن الاستهداف الحقيقي ليس كما يصوّره ويخشاه رئيس الحكومة، هو استهداف للبنان الدولة والكيان، هو استهداف من هؤلاء لكل أهل بيروت وطرابلس وصيدا وعكار والبقاع، هو استهداف من بعض مجموعات ممن يتلبّسون المذهبية لتغطية خروجهم عن القانون والنظام والدولة.

يُستهدف الطرابلسيون يومياً بالخروق الأمنية، وبمسلسل رمي القنابل اليدوية الليلية في شوارع المدينة، حتى تلك البعيدة عن خطوط التماس، يستهدفون حين يقوم المسؤولون بشراء الأسلحة بمئات الآلاف من الدولارات لتوزيعها على الفقراء، بدل مساعدتهم في الطبابة والمأكل والملبس..

يُستهدف الطرابلسيون حين يكون للمدينة رئيس وزراء وكوكبة من وزراء مجتمعين في حكومة واحدة، وليس لديهم بنى تحتية أو طرقات صالحة للسير، بل إن معظم أحياء المدينة تبدو وكأنها أحياء من "تورا بورا".

وتستهدف صيدا وأهلها حين تنتشر مشاهد العراضات المسلحة على الشاشات، ما يحرم المنطقة من الازدهار الاقتصادي، ومن لقمة العيش، وحين تعيدهم مجموعة خارجة على القانون إلى زمن يشبه زمن الاحتلال "الإسرائيلي"؛ بقطع الطرقات وحواجزه، والانتشار المسلّح والخروج من المربع الأمني الذي أقامته "الدولة" مراضاة للأسير، وانتشار العناصر المسلحة المقنّعة وغير المقنّعة في الطرقات وفوق أسطح البنايات.

كل ما يُحكى وما يقال يذكّرنا بمشهد الميليشيات المتفلت زمن الحرب، فيعيش سُنّة لبنان اليوم ما عاشه المسيحيون خلال الحرب، حين قامت الميليشيات التي ادّعت التكلم باسم المسيحيين آنذاك، بترويع المسيحيين وقتلهم وتهجيرهم بذريعة حمايتهم و"أمن المجتمع المسيحي"، وحبذا لو يتعظ المسؤولون من التجربة، فلم تسبب هذه العراضات للمسيحيين سابقاً إلا الويلات والتدمير والخروج بإحباط وتهميش من النظام، وحبذا لو يمارس رئيس الحكومة سلطته لحماية اللبنانيين وأهل طرابلس وصيدا وبيروت وعكار كما يفعل في موضوع "الداتا"، وتمويل المحكمة الدولية، وحماية المرتكبين من الموظفين المحسوبين على "تيار المستقبل"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق